رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

«منك لله يا.... الإسكان».. لم أصدق أذني لدى سماعي هذه الدعوة، فهي تعبر عن يأس بالغ وعن إنسان وصلت به الروح للحلقوم. عندما التفت وجدت أن من ترددها سيدة تجاوزت الخمسين من عمرها. شعرت أنها في حالة غضب عارم لم يكن ينقصها معه سوى أن تتجه إلى مسجد السيدة زينب أو الحسين للاستعانة بأهل بيت النبي مما تراه جوراً وعنتاً لحق بها جراء الموقف الذي تواجهه.

كان ابن شقيقتي الطبيب الذي يقيم في القاهرة منذ سنوات قد دعاني لأن أرافقه في خطوته لتحقيق حلمه بالتقديم على أرض القرعة التي أعلنت عنها وزارة الإسكان في مجموعة من المدن الجديدة. لم أكذب خبراً وذهبت معه في المرحلة الأهم وهي دفع مبلغ المقدم – 25 ألف جنيه - بعد أن اشترى كراسة الشروط. في البداية لم أصدقه عندما راح يذكر لي المعاناة التي واجهها في الحصول على الكراسة، فالطوابير تطول حتى أنها تخرج عن نطاق البنك الذي يحجز فيه بمدينة أكتوبر.

في اليوم الذي رافقته فيه بعد الساعة الثالثة عصراً حيث يبدأ الدفع فوجئت بالعدد الهائل الذي قدم للمهمة ذاتها.. فغرت فاهي عندما أخبرني أنه استطاع الحصول على دور رقمه 277. مع مرور الوقت وقبل أن تدق الساعة عقارب الخامسة حيث يغلق البنك أبوابه أمام دخول عملاء جدد كان العدد قد تجاوز الأربعمائة والخمسين مع استمرار تسجيل من دخلوا قبل ذلك قارب عدد المشتركين في الدور نحو الخمسمائة. تحولت المنطقة التي يوجد بها البنك التي تكاد لا تطأها قدم بشر في ذلك الوقت من اليوم إلى خلية نحل.. بشر يجيئون وآخرون يرحلون.. حركة دائبة من المواطنين من أجل الفوز بقطعة أرض.

شعرت بالدهشة والأسى حينما تذكرت أن مجموع القطع المخصصة لمدينة أكتوبر نحو 700 قطعة. زادت دهشتي وإحساسي بالحيرة عندما رحت بيني وبين نفسي قتلاً للفراغ أقوم بعملية حسابية للموقف الذي آراه أمامي. إن عملية التقدم تستغرق نحو الشهر تقريباً ولو أن معدل التقدم يقدر بذات العدد الذي رأيته في اليوم الذي شهدته لبلغ متوسط عدد المتقدمين للحجز نحو عشرة آلاف مواطن، يكونون قد دفعوا 500 ألف جنيه ثمن كراسات شروط (الكراسة بخمسين جنيهاً) ونحو 250 مليون جنيه مقدمات. رحت أنظر للحاجزين كانت الشفقة هي الشعور الذي يسيطر علي تجاههم، فبينما أن نصيب كل واحد منهم لا يتجاوز 0٫07% فإن كلهم يجري بمنطق أنه قد يكون الفائز، حينما راح أحدهم يتساءل عن جدوى ما يحدث؟.. راح موظف الأمن يقول له: لقد عملت ما عليك والباقي على ربنا!

خامرني شعور بأن كل هؤلاء مقامرون أو هم أقرب إلى المقامرين.. وإلا فما هو تعريف المقامرة إذا لم يكن هو ذاك.. أن تدخل في لعبة أو مهمة كل آمالك فيها تتركز على الحظ بأن يسعفك بالفوز، أو أن يلتفت عنك فتمنى بالخسارة.

لم أرغب في تفويت الفرصة دون استطلاع آراء مدير البنك والموظفين بعد أن وصلت لي أحاسيس المواطنين.. كان لسان حال الجميع: ما باليد حيلة! وماذا نفعل؟.. لا يمكننا رفض طلبات مواطنين متقدمين طالما أنهم مستوفون للشروط.

فاجأني أحدهم حينما راح يقول: كله عبث أن تستلم أموالاً أكثر من عشرة آلاف مودع وتردها لهم بعد شهرين، إلا الفائزين السبعمائة طبعاً، فضلاً عما يصاحب ذلك من إجراءات فحص أوراق وخلافه. لا أريد استنطاق أحد، ولكن صدى كلماتهم وصلني بمعنى مختلف هو: دع المواطنين يتقدمون ويعيشون وهم الفوز بقطعة أرض. تذكرت تصريح مبارك بشأن المعارضة «دعهم يتسلوا».. ولن يتم سوى ما نريده.

رحت أتساءل: هل هذه سياسة دولة لجمع الأموال بأي السبل حتى ولو على سبيل الأمانة لعدة شهور بفائدة بخسة؟.. هل هي نوع من الملهاة من «الإسكان»؟.. أم أن رد فعل أمثالي يعبر عن جحود لما تبذله الدولة من جهود لرفاهية المواطن.

عندما عدت بالذاكرة إلى الوراء تذكرت أن سياسة القرعة بدت على استحياء في أوائل النصف الثاني من العقد الفائت، ثم بدأت تنمو كالكائن الحي حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. إنها – والتي لا تماثل في تقديري سوى المقامرة – أصبحت أسلوب حياة يتعايش معه المصريون.. والذين أصبحوا يعيشون في قرعة مستمرة! هل أنا مبالغ؟.. قد يكون ذلك صحيحاً ولكن حكمي بالتأكيد ليس خطأ بالكامل.  أما عن نتائج القرعة فشكك بلا حرج!

 

 

[email protected]