بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

دروس من هدي النبي ﷺ.. كيف ننجو في زمن الأزمات؟

بوابة الوفد الإلكترونية

قال فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية السابق، إن رسول الله ﷺ ترك للأمة تراثًا عظيمًا من القيم الإنسانية والروحية العليا التي تمثل طوق النجاة في عالم يموج بالفتن والأزمات، فمن تمسّك بها نجا، ومن تخلّى عنها عاش في اضطراب وكوارث لا تنتهي.

وأوضح فضيلته أن النبي ﷺ ربّى الأمة على أسس العدل والمساواة والرحمة وعمارة الدنيا، فكانت دعوته جامعة بين الروح والعقل، وبين الإيمان والعمل، ولم تكن دعوة للعزلة أو التصوف المنعزل، بل كانت مدرسة متكاملة لبناء الإنسان والمجتمع.

المصلحة العامة فوق الرغبات الشخصية

علّمنا رسول الله ﷺ في مواقف كثيرة أن نقدّم مصلحة الأمة على الأهواء الفردية، وأن نغلّب الحكمة على العاطفة، والتوازن على الانفعال. وعلّمنا أن نكون أمة واحدة، نُسالم من سالمنا، ونواجه من اعتدى علينا، صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص.

كما أرشدنا ﷺ إلى أن نرضى بقضاء الله ونُسلِّم لحكمته، إذ لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، ومن حقق التسليم عاش مطمئنًا راضيًا مهما تغيرت الظروف.

الصدق والورع في المواقف الصعبة

وأشار الدكتور علي جمعة إلى موقف مؤثر من سيرة النبي ﷺ، وهو ما حدث مع الصحابي الجليل كعب بن مالك، أحد الثلاثة الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك دون عذر. فحين نزلت فيهم الآيات، وأُمر المسلمون بمقاطعتهم، ثبت كعب على الصدق، ورفض التزييف أو النفاق، رغم شدة البلاء، حتى جاءه رسول من ملك غسان يحمل له رسالة تدعوه إلى اللجوء إليهم.

يقول كعب رضي الله عنه: "فلما قرأتها قلت: هذه أيضًا من البلاء، فتيممت بها التنور فأحرقتها."

وبينما قلب النبي ﷺ كان يتوق للحديث مع كعب، امتنع ﷺ عن مخاطبته؛ تربيةً وتأديبًا ورحمةً أيضًا، كما وصف كعب المشهد قائلًا: "كنت أأتي المسجد وأسلم على النبي ﷺ، فأنظر هل حرّك شفتيه برد السلام، فإذا صليت نظر إلي، وإذا سلمت أعرض عني."

وكان هذا التجاهل المؤقت أسلوبًا نبويًا راقيًا في التربية، حيث يُعلّم الأمة أن الحب لا يعني ترك المحاسبة، وأن المصلحة الكبرى تتقدم على المشاعر الفردية.

وقد قال النبي ﷺ:"إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلّمكم" [رواه أبو داود]،ليؤكد أن الرحمة الحقيقية هي التي تُربي وتُهذب وتُوجّه.

 الرضا.. جوهر التوكل الحقيقي

وبيّن الدكتور علي جمعة أن من دروس النبي ﷺ الكبرى، تعليمه لنا الرضا والتسليم المطلق بقضاء الله، فقد قال تعالى:"وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" [البقرة: 216].

وهذا ما رسّخه النبي ﷺ في قلوب أصحابه، وغرسه في وجدان الأمة، فلا يندم المؤمن على ما فات، ولا يجزع مما يأتي، لأنه يعلم أن الله لا يختار لعباده إلا الخير، وأن ما قدّره هو الأصلح.

خلاصة تربوية خالدة

في زمن الأزمات واضطراب القيم، لا نجد أنفع لنا من العودة إلى هدي رسول الله ﷺ، لنستعيد الثقة، ونستقيم على طريق الله، وندرك أن النجاة الحقيقية ليست بالمال أو النفوذ، بل بالصدق، والرضا، وحب الخير للأمة، وتقديم المصلحة العامة على هوى النفس.