علي جمعة: الغناء ليس محرمًا في كل حال.. والعبرة بالمضمون لا الوسيلة

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الغناء والموسيقى لا يُحكم عليهما بالتحريم المطلق كما يظن البعض، مؤكدًا أن الحكم الشرعي يتوقف على مضمون الغناء وتأثيره على النفس، وليس على الوسيلة في حد ذاتها.
وأوضح جمعة أن الأصل في الأمور الإباحة، وأن الغناء في ذاته ليس حرامًا، بل يندرج تحت قاعدة "حلاله حلال وحرامه حرام"، موضحًا أن هناك أنواعًا من الغناء تُهذب النفس وتفتح القلب، ولا تتعارض مع مقاصد الشريعة.
الغناء المهذب وسيلة لتزكية النفس
وفي حديث سابق له، أشار الدكتور علي جمعة إلى أن الأناشيد الدينية والمدائح النبوية، وكذلك بعض أنواع الموسيقى التي تدعو للتأمل في خلق الله، تُعد من الوسائل المباحة التي يمكن أن تزيد من خشوع القلب وتقرب العبد من الله.
وقال جمعة إن من بين هذه النماذج مقطوعات الموسيقي العالمي بيتهوفن، حيث اعتبر أنها تحمل أبعادًا فلسفية وتأملية تساعد الإنسان على التفكر في ملكوت الله، مشيرًا إلى أن الفن الراقي قد يكون وسيلة من وسائل الإيمان، إذا التزم بحدود الشرع ولم يخرج عن القيم العامة.
متى يكون الغناء حرامًا؟
في المقابل، حذر المفتي السابق من النوع الآخر من الغناء، والذي يُعد محرمًا شرعًا، وهو ما كان سببًا في إثارة الشهوات، أو يدعو إلى الفسق والفجور، أو يُستخدم في إفساد الأخلاق والقيم.
وأكد أن هذا النوع من الغناء مرفوض شرعًا لما له من أثر سلبي على النفس والمجتمع، ويخرج عن مقصود الترويح المباح إلى دائرة الإفساد.
الغناء في حياة النبي ﷺ
استشهد الدكتور علي جمعة بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ليوضح أن الرسول لم يُحرّم الغناء بإطلاق، بل استمع إلى الغناء في مناسبات معينة، مثل حضور الأفراح.
وروى موقفًا حدث في زفاف زُبيدة بنت معاوية، حين كانت الجواري يضربن بالدفوف ويغنين، فغنّت إحداهن بأبيات تتضمن ادعاء علم الغيب، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:
"دعي هذا، وقولي ما كنت تقولين"، أي نبهها إلى الخطأ، لكنه لم يمنع الغناء ذاته، مما يدل على إباحة الغناء بضوابط الشرع.
ذوق الدكتور علي جمعة الفني
وفي لمحة إنسانية، كشف الدكتور علي جمعة عن ذوقه الشخصي في الاستماع إلى الموسيقى والغناء، قائلًا إنه في شبابه كان يستمع إلى كوكب الشرق أم كلثوم، والمنشد الشيخ النقشبندي، والمطرب الشعبي محمد عبد المطلب، واصفًا الأخير بأنه مطرب لطيف وكلماته راقية وعميقة.
وأشار إلى إعجابه بأغنية عبد المطلب الشهيرة:"علشان أنول كل الرضا ياللي رضاك عليّه رضا"، موضحًا أن الكلمة الراقية والغناء الهادف يمكن أن يترك أثرًا طيبًا في القلب والعقل، إذا خرج من بيئة فنية نظيفة تحترم القيم والأخلاق.
أكد الدكتور علي جمعة في نهاية حديثه أن الغناء والموسيقى ليسا حرامين بإطلاق، وإنما تخضعان للتقييم حسب المحتوى والتأثير، وأن الشرع لا يُحرم شيئًا إلا إذا ثبت ضرره أو مخالفته لمقاصد الدين.
وأشار إلى أن الفن الحقيقي يمكن أن يكون جزءًا من بناء الوجدان والروح، إذا سُخّر في الخير وأُنتج في بيئة تلتزم بالمسؤولية الأخلاقية والدينية.