رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

مراكز التجميل.. بين انفلات السوق وتهديد الصحة العامة

بوابة الوفد الإلكترونية

لم تعد أزمة التجميل فى مصر مقتصرة على مراكز تعمل فى الظل أو كيانات غير مرخصة ترفع لافتات مضللة، بل امتدت لتكشف خللاً أعمق فى منظومة تقديم الخدمة الصحية نفسها. فقد باتت ممارسات غير منضبطة تُرصد داخل مراكز تجميل وعيادات خاصة، بل وداخل بعض المستشفيات الخاصة التى يُفترض خضوعها لأعلى درجات الرقابة، فى مشهد يطرح تساؤلاً جوهرياً حول فعالية منظومة التفتيش والمحاسبة، وحدود الحماية التى يوفرها الترخيص للمريض.
الوقائع الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة والسكان خلال العام الجارى تؤكد إغلاق عشرات المنشآت المخالفة، شملت مراكز وعيادات تجميل فى القاهرة وعدد من المحافظات. ومن بين هذه الوقائع إغلاق خمسة فروع لما يُعرف باسم «بيلادونا ليزر كلينك» فى مناطق النزهة ومدينة نصر والألف مسكن والمعادى وكوبرى القبة، بعد ثبوت عملها دون ترخيص واستخدام أجهزة ليزر ومواد حقن غير معتمدة. كما أُغلق مركز (Asmaa Hashed Herbal Clinic) بمحافظة الإسماعيلية لإدارته بواسطة منتحل صفة طبيب، إلى جانب غلق منشآت أخرى فى مدينة نصر و6 أكتوبر ثبتت إدارتها بالمخالفة لاشتراطات الترخيص وقواعد مكافحة العدوى. اللافت فى هذه الوقائع أن بعضها كان يحمل صفة «عيادة» أو «مركز طبى»، بما يكشف أن المخالفة لا تتوقف عند الشكل القانونى، بل تمتد إلى جوهر الممارسة الطبية ذاتها.
هذا الاتساع فى دائرة الانتهاكات يؤكده محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز المصرى للحق فى الدواء، الذى يقدّر عدد مراكز وعيادات ومستشفيات التجميل الخاصة فى مصر بنحو 25 ألف منشأة، يعمل ما يقرب من 70% منها فى أوضاع قانونية غير مكتملة، سواء من خلال العمل دون ترخيص، أو بموافقات مبدئية، أو بتجاوز نطاق النشاط المصرح به. ويشير فؤاد إلى أن بعض المستشفيات الخاصة تُجرى إجراءات تجميلية دون توافر دائم لأطباء متخصصين، أو باستخدام أجهزة ومواد لا تخضع للرقابة الكافية، ما يعنى أن الخطر لا يرتبط باسم المكان بقدر ما يرتبط بغياب الانضباط المهنى والرقابى.
وزارة الصحة نفسها أقرت، عبر تصريحات الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمى باسمها، بأن الترخيص لا يمنح حصانة دائمة، وأن حملات التفتيش رصدت مخالفات داخل منشآت مرخصة، شملت قصوراً فى تطبيق سياسات مكافحة العدوى، واستخدام أجهزة غير معتمدة، والسماح لغير المختصين بإجراء تدخلات تجميلية، سواء داخل مراكز أو عيادات أو مستشفيات خاصة، وهو ما دفع الوزارة فى بعض الحالات إلى إصدار قرارات غلق أو إيقاف جزئى للنشاط، فى اعتراف ضمنى بأن الخلل ليس هامشياً.
من جانبها، أكدت هيئة الدواء المصرية، على لسان رئيسها الدكتور على الغمراوى، أن ضبط مواد «فيلر» و«بوتوكس» غير مسجلة أو مهربة لم يقتصر على مراكز عشوائية، بل شمل منشآت تحمل تراخيص رسمية، محذراً من أن خطورة هذه المواد لا تتغير بتغير مكان استخدامها، وأن مضاعفاتها قد تصل إلى التهابات حادة، وتليفات، وجلطات، وتشوهات دائمة، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول منظومة توريد المستحضرات الطبية ومدى إحكام السيطرة عليها.
أما نقابة الأطباء، فاتخذت موقفاً أكثر صراحة، حيث أكد نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبدالحى أن أى منشأة تسمح بممارسة إجراءات تجميلية بواسطة غير أطباء، أو خارج نطاق التخصص، تُعد مخالِفة للقانون، بغض النظر عن كونها مركزاً أو عيادة أو مستشفى. وأوضح أن النقابة تلقت شكاوى موثقة ضد منشآت مرخصة تجاوزت حدود الترخيص، وأن البلاغات المقدمة إلى النائب العام لا تستثنى جهة بعينها، بل تستهدف حماية المريض من ممارسات وصفها بـ»الخطرة والمستهترة».
ولا تختلف نتائج هذه الممارسات باختلاف اللافتة المعلقة على باب المنشأة؛ إذ يؤكد أطباء جلدية وتجميل أن أقسام الطوارئ تستقبل بانتظام حالات حروق من الدرجة الثانية والثالثة نتيجة سوء استخدام أجهزة الليزر، وتشوهات دائمة بسبب حقن خاطئة، فضلاً عن عدوى بكتيرية وفيروسية حادة. وتشير الشهادات الطبية إلى أن بعض هذه الحالات وقع داخل مراكز غير مرخصة، بينما حدث البعض الآخر داخل عيادات ومستشفيات خاصة، فى ظل غياب آلية شفافة للإفصاح عن الأخطاء الطبية أو إعلان نتائج التحقيقات للرأى العام.
القانون المصرى، ووفقاً لقانون تنظيم المنشآت الطبية رقم 153 لسنة 2004 وقانون 51 لسنة 1981، يجرّم بوضوح ممارسة أى نشاط طبى دون ترخيص أو خارج نطاق الترخيص، وينص على الغلق والعقوبات المالية والحبس فى حال تكرار المخالفة. غير أن الواقع العملى يكشف أن ضعف العقوبات مقارنة بحجم الأرباح، وبطء إجراءات التقاضى، وغياب رقابة لاحقة فعالة، كلها عوامل تسمح باستمرار المخالفات داخل مراكز وعيادات ومستشفيات يُفترض أنها جزء من المنظومة الصحية الرسمية.