نحن مقبلون بكل تأكيد على مرحلة جديدة من العمل الدولى خاصة فى مجال حماية حقوق الإنسان.. هذه المرحلة سلبية بكل المقاييس.. وتفتح الباب واسعا أمام الهروب من الالتزامات الدولية فى مجال حماية حقوق الإنسان والحريات العامة الفردية والجماعية.. نظام الحماية الدولى والذي تقوم به الأمم المتحدة ووكالاتها يعانى منذ عامين تقريبا من حصار غربى أمريكى. وتوقف تمويل هذه الوكالات بسبب موقفها من الجرائم الإسرائيلية فى غزة منذ أحداث 7 أكتوبر 2023.
دول أوروبا والولايات المتحدة أوقفت تمويل الوكالات الأممية ومنها المفوضية السامية لحقوق الإنسان وتخلت عن التزاماتها التى قطعتها على نفسها وقت تأسيس هذه الوكالات والهيئات الأممية ومنها الولايات المتحدة التى أوقفت تمويلها الذى يعد الأكبر نسبته 13% من موازنة الأمم المتحدة مقابل استضافة المقر الرئيسي للمنظمة الدولية.. بل وصل الأمر إلى فرض عقوبات على قيادات فى هذه المنظمات ومنها المحكمة الجنائية الدولية ووقف تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» كنوع من العقاب بسبب الدور الذى قاما به فى إغاثة أهل غزة ومحاكمة مجرمى الحرب الإسرائيليين فى جرائم الإبادة التى ارتكبوها.
والأرقام تشير إلى أن العجز المالى فى هذه المنظومة بلغ 96 مليون دولار فى عام 2025 ما أدى إلى تخلى الأمم المتحدة عن 45% من الوظائف الضرورية وتسريح القائمين عليها، ما يعنى توقف عمليات رصد وتوثيق الانتهاكات من خلال الزيارات الميدانية للمقررين الخواص وفرق العمل وغيرها من الأدوات التى سوف تتوقف وبالتالى ستكون التقارير القادمة ضعيفة أو إنشائية لا قيمة لها ويفتح الباب أمام هروب الدول من التزاماتها تجاه حماية الحقوق والحريات.
وهذه الأزمة مفتعلة وتسقط عن دول أوروبا والولايات المتحدة ما يدعونه أنهم دول ديمقراطية وحماية الحريات وحقوق الإنسان ويسقط عنهم الحق فى مراقبة الغير وإصدار تقارير عن أوضاع الحريات وحقوق الإنسان فى العالم.
والأزمة المالية التى تعانى منها مؤسسة الأمم المتحدة بجميع وكالاتها وهيئاتها تفتح الباب واسعا أمام المطالب بإنهاء هذه النظام الدولى وأن يكون مصيرها مصير عصبة الأمم وأن يتم الإعلان عن نظام دولى جديد بدون قوة غاشمة لعدد من الدول تتحكم فى القرار الدولى من خلال الفيتو فى مجلس الأمن.
المطالبون بهدم هذا النظام يخططون لنظام دولى عادل، الكل فيه سواسية وينتصر للمظلوم فورا ومحاسبة الظالم فورا، وقف الانتهاكات ومحاكمة مرتكبيها دون تردد وفق معايير العدالة الدولية والقانون الدولى.. التجارب على مدار السنوات الثمانين من حياة الأمم المتحدة كان فشلها فى علاج القضايا الدولية أضعافا من نجاحاتها.. وتعجز أمام القضايا العادلة عن اتخاذ موقف حاسم وهنا أقصد القضية الفلسطينية، فجميع قراراتها فى هذا المجال حبر على ورق، وأى حديث عن التطوير لن يكون له قيمة إلا بإلغاء حق النقض فى مجلس الأمن وتوسيع العضوية فى مجلس الأمن وإيجاد آلية لإلزام الدول بالوفاء بالتزاماتها فى مجال حماية حقوق الإنسان وتمويل المنظمة ووكالاتها المختلفة. بدون هذه الخطوات ستكون الأمم المتحدة مجرد مبانٍ فى عدة دول لا قيمة لها والأفضل تحويلها إلى فنادق ومبانٍ إدارية للإيجار للشركات.