44% من النساء تعرضن له خلال عام واحد:
اﻟﻌﻨﻒ اﻟﺮﻗﻤﻰ ﺿﺪ اﻟﻤﺮأة.. ﺟﺮﻳﻤﺔ ﺻﺎﻣﺘﺔ ﻓﻰ ﻓﻀﺎء ﻣﻔﺘﻮح
الابتزاز والتشهير الإلكترونى أشهر الجرائم التى تتعرض لها المرأة فى الساحة الإلكترونية
واحدة من كل خمس سيدات يخرجن من الفضاء العام بسبب الجرائم الإلكترونية
السجن 5 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه فى انتظار الجناة.. وخبراء يؤكدون: الصمت حليف المجرمين
لم يعد العنف ضد النساء فى مصر مقتصرا على الشارع والمنازل وأماكن العمل فقط، بل تعددت أشكاله وألوانه حتى امتد خلال السنوات الأخيرة إلى الفضاء الرقمى، ورغم أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية إلا أنها أصبحت مساحات مفتوحة لانتهاكات متكررة، تتعرض فيها النساء لأشكال متعددة من العنف على مواقع التواصل الاجتماعى، تبدأ بالتنمر والسخرية والتشهير، وتصل إلى الابتزاز الجنسى والتهديد ونشر الصور والمحتويات الخاصة دون إذن.
هذا النوع من العنف وإن بدا افتراضيا فى ظاهره، إلا أن آثاره واقعية وقاسية، تمس حياة النساء النفسية والاجتماعية، وقد تمتد أحيانا إلى محيطهن الأسرى والمهنى.
وفى المقابل، تؤكد المؤسسات الدولية المختصة أن التكنولوجيا قادرة على أن تكون قوة داعمة لتمكين النساء إذا استخدمت بالشكل الصحيح، فهى تتيح فرصًا أكبر للتعليم، والعمل، وريادة الأعمال، والوصول إلى الخدمات. كما تقدم أدوات فعالة للحماية والإبلاغ والدعم القانونى والنفسى للناجيات من العنف.
وتشير تقارير صادرة عن جهات معنية بمناهضة العنف ضد المرأة إلى أن النساء والفتيات أكثر عرضة للعنف الرقمى مقارنة بالرجال، وأن الهجمات الإلكترونية ضدهن غالبا ما تتخذ طابعا قائما على النوع الاجتماعى.
وتكشف الإحصاءات أن نحو 12% من الناجيات من العنف الرقمى فى الدول العربية فكّرن فى الانتحار، نتيجة الضغوط النفسية، والخوف من الفضيحة، واستمرار التهديد أو التشهير، وهو ما يعكس حجم الضرر النفسى الذى قد يصل إلى حد تهديد الحياة نفسها.
كما تظهر البيانات أن 44% من النساء تعرضن للعنف الرقمى خلال عام واحد، وأكدن أن هذا العنف لم يتوقف عند الفضاء الإلكترونى، بل امتد إلى الواقع، سواء فى صورة تهديدات مباشرة، أو ملاحقة، أو تضييق اجتماعى، ما يؤكد أن الفصل بين العالم الرقمى والحياة اليومية أصبح وهميًا.
وفى محاولة للهرب من هذا العنف، تشير الإحصاءات إلى أن واحدة من كل خمس ناجيات اضطرت إلى حذف حساباتها أو تعطيلها على مواقع التواصل الاجتماعى، وهو ما يمثل شكلا من أشكال الإقصاء القسرى، ويحد من حق النساء فى التعبير والمشاركة الآمنة فى المجال الرقمى.
وفى المقابل، أظهرت استطلاعات الرأى أن 63% من النساء يرين أن المواجهة الحقيقية للعنف الرقمى تبدأ بإجراءات أمنية وقانونية حازمة ضد المتحرشين والمبتزين عبر الإنترنت، فى إشارة واضحة إلى أهمية الردع القانونى بدلا من تحميل الضحية عبء المواجهة وحدها.
العنف للجميع
ولا يقتصر العنف الرقمى على فئة عمرية أو اجتماعية معينة، فهو قد يستهدف الطالبات الجامعيات والموظفات والمتزوجات، وحتى الصحفيات والناشطات فى المجال العام، وتشير الدراسات النفسية أيضا إلى أن التعرض لهذا النوع من العنف يمكن أن يؤدى إلى مشاعر القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، وقد يدفع فى بعض الحالات إلى الانعزال عن الفضاء العام وتقليل المشاركة المجتمعية، خوفا من التهديد أو التشهير.
مبادرات
وبالتوازى مع الجهود الرسمية شهدت الفترة الماضية نشاطا ملحوظ لحملات ومبادرات مجتمعية لمواجهة العنف الرقمى ضد النساء، من بينها حملات التوعية بحقوق النساء على الإنترنت، ومن بين هذه المبادرات جاءت حملة «16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة»، التى ركزت على العنف الإلكترونى باعتباره أحد أخطر أشكال العنف المعاصر.
وأطلقت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حملتها السنوية للتوعية بمختلف أشكال العنف ضد النساء، سواء فى المجال العام أو داخل الأسرة أو عبر الفضاء الرقمى. وتؤكد المنظمة فى بيانها أهمية مواجهة العنف بكل صوره، مشددة على أن العنف الرقمى أصبح أحد أبرز التحديات المعاصرة التى تهدد حقوق النساء فى الأمان والسلامة داخل المجتمع الافتراضى والواقعى على حدّ سواء. وتشير المنظمة إلى أن الإحصاءات الدولية تؤكد تعرض نسبة كبيرة من النساء للعنف الرقمى، بما فى ذلك التشهير والمعلومات المضلة التى تنشر عبر الشبكات الاجتماعية، مما يعكس فجوة فى الحماية القانونية والثقافية تحتاج إلى تدخل شامل.
كما ينشط المجلس القومى للمرأة وجامعة حلوان فى تنظيم ورش عمل ومسابقات وبحوث حول العنف الذى تيسره وسائل التكنولوجيا، فى إطار نفس الحملة، لتعزيز فهم أبعاده وكيفية التصدى له على الأرض، خاصة بين الطالبات والشابات فى الجامعات.
جريمة صامتة
ويؤكد الدكتور محمد محسن مستشار الأمن السيبرانى ومكافحة الجرائم الإلكترونية، أن العنف الرقمى ضد السيدات والبنات أصبح من أخطر الظواهر المتصاعدة بهدوء، لما يتركه من آثار نفسية واجتماعية قد تكون أشد من العنف التقليدى، فلم يعد الخطر يقتصر على الشارع فقط، بل أصبح يتسلل خلف شاشات الهواتف المحمولة.
وأوضح محسن أن العنف الرقمى هو أى سلوك عدائى أو إجرامى يتم استخدام الإنترنت أو التطبيقات الذكية من خلاله، بهدف إيذاء شخص نفسيًا أو تهديده أو تشهيره أو ابتزازه أو انتهاك خصوصيته، حتى من دون احتكاك مباشر فإن هذه الأفعال تهدد الإحساس بالأمان وتؤثر على الاستقرار النفسى للضحايا بشكل كبير.
وحول أبرز أشكال العنف الرقمى، قال إن الابتزاز الإلكترونى يأتى على رأس القائمة، حيث يهدد المبتز الضحية بنشر صور أو محادثات خاصة، وهو ما يعد جريمة فى حق الإنسانية، مشيرًا إلى أن التشهير الرقمى، والتحرش الإلكترونى برسائل غير لائقة أو ملاحقة مستمرة، واختراق الحسابات على منصات مثل فيسبوك وإنستجرام، وانتحال الشخصية، كلها أشكال شائعة لهذا العنف. وأضاف: أن الضغط النفسى والتهديد لإجبار الضحية على تصرفات معينة هو جزء آخر من هذه الجرائم.
وعن كيفية حصول المبتز على المعلومات، أكد أن المبتز عادة ما يستغل ثغرات بشرية وتقنية، مثل الثقة الزائدة فى الآخرين على السوشيال ميديا، أو إرسال صور ومعلومات حساسة، أو كلمات مرور ضعيفة، أو تطبيقات مزيفة وروابط تصيد، أو أجهزة غير مؤمنة، وحتى الحسابات المفتوحة بدون إعدادات خصوصية.
وفى حال تعرض أى شخص للتهديد أو الابتزاز، قال إن أول خطوة هى عدم الخوف أو الاستسلام، وعدم إرسال أى صور أو أموال مهما كان التهديد، مع الاحتفاظ بجميع الأدلة من رسائل أو صور شاشة.
وأضاف: ينبغى حظر المبتز فورا والإبلاغ عنه، وتغيير كلمات السر، والاستعانة بشخص موثوق من الأسرة، والتوجه للجهات المختصة بالقانون، فالابتزاز جريمة وليس عيبًا. مؤكدًا أن الأسرة هى خط الدفاع الأول، ويجب تقديم الدعم النفسى للضحية بدون لوم أو تهديد، والتحرك القانونى بهدوء، ومساعدتها على تأمين حساباتها وأجهزتها، ومتابعة حالتها النفسية عند الحاجة، مشيرًا إلى بعض الإجراءات الوقائية التى يجب على البنات اتباعها ومنها: استخدام كلمات سر قوية وفريدة لكل حساب، وتفعيل التحقق الثنائى، وعدم قبول طلبات صداقة من مجهولين، وإغلاق الحسابات على الخاص، وعدم مشاركة أى صور أو معلومات حساسة، وتجنب الضغط على روابط غريبة، وتحديث التطبيقات والأجهزة باستمرار، والإبلاغ فورًا عن أى تهديد.
وشدد على أن العنف الرقمى جريمة كاملة الأركان، والسكوت عليها يشجع المجرمين، لذلك لا بد من التوعية، والدعم الأسرى، والتحرك القانونى، فهم السلاح الحقيقى لمواجهة هذا النوع الجديد من الجرائم، لافتًا إلى أن الانترنت ليس ساحة مفتوحة للاعتداء، والكرامة الرقمية حق أصيل لا يقبل المساومة.
جرائم يعاقب عليها القانون
ومن جانبها أكدت إلهام المهدى الخبيرة القانونية، أن العنف الرقمى والابتزاز الإلكترونى لم يعودا أفعالًا عابرة أو مناطق رمادية خارج نطاق القانون، مشددة على أن المشرع المصرى اعترف صراحة بهذه الجرائم، وخصص لها نصوص واضحة بعقوبات رادعة فى أكثر من تشريع.
وأشارت المهدى إلى أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 يعد الإطار التشريعى الأهم فى مواجهة هذه الجرائم، موضحة أن المادة (25) منه تعاقب على الاعتداء على القيم الأسرية أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة أو الإزعاج الإلكترونى المكثف دون رضا المجنى عليه، بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة تتراوح بين 50 و100 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين.
وقالت إن هذه المادة تستخدم بكثرة فى قضايا التهديد بنشر الصور الخاصة، والتشهير الإلكترونى، والتحرش الرقمى، مؤكدة أن المشرع كان حريصًا على حماية الخصوصية الرقمية للأفراد، خاصة النساء والفتيات.
وأضافت أن المادة (26) من القانون نفسه شددت العقوبة حال استخدام برامج أو تقنيات معلوماتية فى الاعتداء على الخصوصية، مثل نشر أو إرسال صور أو مقاطع دون رضا صاحبها أو استخدامها فى التشهير أو الابتزاز، حيث تصل العقوبة إلى الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وغرامة من 100 ألف إلى 300 ألف جنيه.
وفيما يخص قانون العقوبات، أوضحت المهدى أن المادة (326 مكرر) تعاقب على جريمة الابتزاز إذا كان التهديد مصحوبا بطلب مال أو منفعة أو فعل أو امتناع عن فعل، سواء تم التهديد شفهيًا أو كتابيًا أو عبر وسائل إلكترونية. كما أشارت إلى أن المادة (327) تجرم التهديد ذاته، حتى لو لم ينفذ، متى كان من شأنه إلقاء الرعب فى نفس المجنى عليها، بينما تعاقب المادة (306 مكرر أ) على السب والقذف إذا ارتكبا عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعى.
وحول ما يجب أن تفعله السيدة أو الفتاة حال تعرضها لابتزاز أو تهديد عبر الإنترنت، أكدت «المهدى» أن أهم خطوة هى عدم الرضوخ أو التفاوض مع المبتز، لأن ذلك غالبًا ما يؤدى إلى تصعيد الجريمة، مضيفة أن توثيق كل شيء يمثل حجر الأساس فى أى بلاغ قانونى، من خلال الاحتفاظ بالرسائل، وتصوير الشاشة، وحفظ الروابط وأرقام الهواتف والحسابات.
وأشارت إلى ضرورة التوجه فورًا إلى أقرب قسم شرطة أو إلى مباحث الإنترنت، وتحرير محضر رسمى يوضح طبيعة التهديد ووسيلة الاتصال، مع بيان الخوف من الضرر النفسى أو الاجتماعى، مؤكدة أن النيابة العامة هى الجهة المختصة بالتحقيق، ولها سلطة حجب الصفحات وضبط الأجهزة وتتبع الجناة إلكترونيًا.
وحذرت «المهدى» من الأخطاء الشائعة التى تضعف موقف الضحايا قانونيًا، مثل حذف الرسائل قبل توثيقها، أو مواجهة الجانى بدل الإبلاغ، أو التأخر فى تحرير المحضر، أو الاعتقاد الخاطئ بأن القانون لن يحمى الضحية، مؤكدة أن القانون لا يشترط الكمال الأخلاقى للمجنى عليها، بل ينظر إلى الجريمة ذاتها.
وأكدت أن القانون يحمى الضحية حتى فى حال وجود صور أو رسائل خاصة، طالما لم تقم بنشرها أو الاتجار بها، مشيرة إلى استقرار أحكام محكمة النقض على أن الرضا السابق على التصوير لا يعنى الرضا على النشر أو التهديد.
واختتمت المهدى بالتأكيد أن دور الأسرة يجب أن يقوم على الدعم والتصديق لا اللوم، والاستعانة بمحامى متخصص، وعدم اللجوء للحلول العرفية، مشددة على أن العنف الرقمى ضد النساء جريمة يعاقب عليها القانون بنصوص صريحة، والبلاغ المبكر والتوثيق الجيد هما السلاح الأقوى فى مواجهة المبتز، بينما الصمت يظل حليفه الأول.
