الفجوة الخفية
تصريحات حسام حسن تشعل الجدل.. لكن المشكلة أعمق من المدرب..
أعادت تصريحات حسام حسن الأخيرة إشعال الجدل حول أداء المنتخب، وفتحت الباب أمام موجة من الهجوم لا تتوقف عند حدود تصريح أو رد فعل. هذا التوتر كشف مرة أخرى مدى سهولة اختزال الأزمات فى شخص المدير الفنى، وكأن المدرب وحده هو من يشكل الفارق بين النجاح والإخفاق. لكن ردود الفعل الغاضبة لم تخف الحقيقة التى أظهرها المستوى الدولى: إن المشكلة تتجاوز كثيراً القرارات الفردية، وتمتد إلى منظومة كاملة تحتاج إلى مراجعة فنية وبدنية وتكتيكية عميقة. فالهجوم على المدرب قد يمنح شعوراً مؤقتاً بتفسير ما يحدث، لكنه لا يقربنا خطوة من معالجة الفجوة الحقيقية التى تفصلنا عن المنافسة العالمية.
دائماً ما تعيد نتائج المنتخب الوطنى، خصوصاً حين تكون صادمة أو ثقيلة، طرح سؤال جوهري: أين تكمن المشكلة الحقيقية فى كرة القدم المصرية؟ فالهزائم الكبيرة لا تختصر فى لاعب أو مدرب، ولا يمكن تعليقها على تبريرات جاهزة تتكرر بعد كل إخفاق. بل إن هذه النتائج تكشف بشكل واضح حجم الفارق بين مستوى منتخباتنا وما يتطلبه الظهور المشرف — أو الحقيقى — فى البطولات الكبرى مثل كأس العالم.
وإذا عدنا إلى السنوات الماضية، سنجد أننا غيرنا تسعة مدربين، بين أجانب ومصريين، دون أن يتغير الكثير على أرض الملعب. وهذا يدفع للتساؤل: هل يعقل أن يكون تسعة مدربين، بمدارس مختلفة، هم جميعاً أصل الأزمة؟ أم أن المشكلة أعمق من مجرد شخص يقف على الخط ويصدر التعليمات؟
الحقيقة أن كرة القدم الحديثة تقوم على منظومة معقدة، تبدأ من التأسيس البدنى الصحيح، مروراً بسرعة اللاعب وقوة التحامه، ووصولاً إلى الفلسفة التكتيكية الجماعية التى تبنى عبر سنوات، لا عبر معسكرات قصيرة. واللاعب الذى يفتقر للسرعة، والضغط، والمرونة، والجاهزية البدنية الحقيقية، لا يمكنه مجاراة منتخبات العالم مهما كان اسم المدرب.
كما أن المهارات الأساسية — التى باتت شرطاً للبقاء فى المستوى الدولى — ما زالت غير مستقرة فى تكوين لاعبنا منذ المراحل السنية. فالدوريات المحلية تفتقر للتنافسية العالية، والاحتراف الخارجى ما زال محدوداً وموجهاً لمناطق أقل تطوراً، ما يجعل الفارق مضاعفاً عند مواجهة منتخبات ذات تجهيز عال ومنظومات قوية.
تغيير المدربين أصبح الحل الأسهل، لكنه ليس الحل الصحيح. وبدون تطوير شامل للبنية الفنية والبدنية للاعب المصرى، ومراجعة منهجية التدريب، ورفع مستوى المنافسة المحلية، سيظل المنتخب يظهر بصورة جيدة فى بعض المباريات، ويختفى تماماً أمام أول اختبار حقيقى فى المحافل العالمية.
أخيراً.. الاعتراف بجذور المشكلة هو أول خطوة نحو إصلاحها. وما لم نبتعد عن تحميل الأشخاص كل المسئولية، ونتجه إلى علاج المنظومة، فإن الفجوة ستبقى قائمة.. والنتائج ستبقى تتكرر بصور مختلفة.. وعليه نطالب بأن يستمر حسام حسن فى مهمته ولكن عليه تعيين متحدث رسمى.
mndiab@hotmail. com