فى محافظة كبيرة، بحجم الجيزة، تبدو العلاقة بين السلطة التنفيذية ووسائل الإعلام، وكأنها دائرة غير مكتملة، فالمحافظ المهندس عادل النجار، الذى تولى مهام منصبه، فى يوليو 2024، لم يعقد أى لقاء صحفى منذ شهر مارس الماضى، ولم يقدم الحد الأدنى من التواصل مع الصحفيين، سواء عبر الاتصالات الهاتفية أو رسائل «الواتس».
هذا المشهد يجعل الصحفيين والإعلاميين، المعتَمَدين لدى المحافظة، يعانون فى التواصل مع المحافظ، الذى يترأس محافظة تشكّل محورًا أساسيًا للمشاريع القومية والتنموية.
هذا الانقطاع الحاد يطرح تساؤلات عميقة حول فلسفة الإدارة المحلية فى التعامل مع الرأى العام، ومدى إدراكها لدور الإعلام والصحافة، كعنصر أساسى فى بناء جسور الثقة مع المجتمع.
وهنا تبرز المفارقة، حين نضع هذا الصمت فى مواجهة الاحتياجات الحقيقية للمواطنين، الذين يعتمدون على الصحافة والإعلام، لفهم ما يجرى، من قرارات ومشاريع، أو حتى أزمات.
إن غياب المتحدث الرسمى، الذى يُفترض أن يكون حلقة الوصل بين المحافظة والصحافة، حوّل المعلومات إلى مساحات رمادية، أوجد فجوة واسعة بين ما يحدث بالفعل، وما يصل إلى الناس، خصوصًا أن المتحدث الرسمى ليس منصبًا بروتوكوليًا، بل هو ضرورة لضمان انسياب المعلومة، وتوحيد الرسائل، وتفادى التضارب والشائعات.
المثير للانتباه أن الصحفيين الذين دعموا المحافظة فى أبرز محطاتها ـ وعلى رأسها افتتاح المتحف المصرى الكبير ـ لم يجدوا أى نافذة رسمية للتواصل، خصوصًا أن الإعلام قدَّم دعمًا ملموسًا، ونقل إنجازات المشاريع القومية بموضوعية، وأسهم فى تعزيز صورة المحافظة لدى الجمهور.
ورغم ذلك، لم يجد هذا الدور المهم، شريكًا من الجانب الآخر، وبالتالى فإن هذه المفارقة تضعف من فعالية الخطاب الرسمى، وتفتح الباب لأسئلة تتعلق بجدوى إدارة المحافظة، التى تظهر بشكل مختلف، وكأنها تعزل نفسها طوعًا عن أهم منصات العمل العام.
إن خسائر الانقطاع، لا تقع على الصحافة وحدها، بل على المحافظة ذاتها، فالصمت الإعلامى يفوّت فرصة ثمينة لتوضيح الإنجازات، وشرح أخطاء محتملة، ونفى معلومات غير دقيقة، وتقديم رؤية واضحة للمواطن حول مسار الخطط التنموية.
الآن، وفى ظل تزايد سرعة تداول المعلومات عبر منصات التواصل، يصبح غياب الصوت الرسمى مخاطرة حقيقية، قد تؤثر على صورة المحافظة وعلى تفاعل المواطنين معها.
وإلى جانب ذلك، فإن غياب التنسيق الإعلامى يجعل أى أزمة، صغيرة كانت أو كبيرة، قابلة للتضخيم، وأيضًا المؤسسات التى لا تُحسن التواصل تجد نفسها غالبًا فى موقع رد الفعل بدل التخطيط، تترك مساحة لغيرها لملء الفراغ بالمعلومات غير الموثوقة والشائعات.
ختامًا، تبدو الحاجة مُلحّة لإعادة بناء الجسور بين محافظة الجيزة والصحافة، عبر تعيين متحدث رسمى محترف، ووضع آلية واضحة للتواصل مع الصحفيين، وعقد لقاءات دورية تضمن الشفافية وتبادل المعلومات، لأن الإدارة التى تتواصل بثقة، تصنع أثرًا مضاعفًا، وتحقق شراكة حقيقية ناجحة مع المجتمع.
[email protected]