رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

غزة.. «رجعت الشتوية» خيام ترتجف.. وأحلام بلا مأوى

بوابة الوفد الإلكترونية

رجعت الشتوية لغزة، لا بصوت الصباحات الفيروزية من حنجرة الجبل وخرير الوادى ولا برائحة القهوة ولا بحكايات الاجداد للاحفاد على نار الحطب وشاى «الكانون» وشواء أبوفروة مضفرة بذكريات النكبة ومرارة اللجوء لكن اليوم لا حاجة لاصحاب الأرض بقطاع غزة لكل ذلك فقد اعادته عصابات الهاجاناة الصهيونية لنقطة الصفر فى فصل جديد من فصول الإبادة من نكبات الشعب الفلسطينى.
شتاء غزة ليس كشتاء الليالى السابقة قبل طوفان الاقصى فى السابع من أكتوبر 2023، وبينما يستعد العالم للدفء، يستعد أهل غزة للكارثة ورغم انتهاء الحرب إلا أن حياة حياه أكثر من 2 مليون فلسطينى انتهت فى خيام حارقة صيفا غارقة شتاء ، فالشتاء ليس فصلا من فصول السنة بل فصل جديد من فصول الألم. 
هنا غزة القلوب ترتجف داخل الخيم بأطراف مجمدة داخل الخيام البرد ذوب الارواح قبل أن ينهش الأجساد النحيلة وجثم على الصدور المثقلة بالقهر صرخات هنا وابتهالات هناك «ولادى مرميين فى السقعة».. أم تصرخ بعد وصول المنخفض الجوى وبعد أن غمرت مياه الأمطار خيمتها فى مدينة غزة ورجل يحاول نزح المياه من خيمته مستغيثا «إحنا بشر زينا زيكم».
أمطار الشتاء تمزق النازحين فوق أنقاض بيوتهم آلاف العائلات تواجه البرد بلا مأوى فلقد دخل الشتاء كوحش كاسر مزق بأنيابه الخيام المهترئة حاملا البرد والألم والذكريات الثقيلة.. فالأطفال ينامون على الأرض المبللة فى ظل نقص الأغطية والدفء يرتجفون تحت أغطية لا تقى، وأمهات يسهرن خوفا من مطر يتسلل إلى الداخل لترسم معاناة فى كل خيمة.
هاهى الخيام تغرق، تطيح بأحلام الأطفال قبل أجسادهم، لتبدأ رحلة نزوح جديدة فوق جراح لم تلتئم، وفرار آخر من غرق يلاحقهم أينما مضوا.
1.9 مليون فسطينى فى مهب الريح
مع اقتراب فصل الشتاء، تتزايد التحذيرات من كارثة إنسانية وبيئية وشيكة فى قطاع غزة، حيث يواجه مئات آلاف النازحين أوضاعا مأساوية فى مخيمات متهالكة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلى فرض قيودا مشددة على دخول المساعدات الأساسية ومواد الإيواء إلى القطاع المحاصر.
ويعيش أكثر من 1.9 مليون فلسطينى فى العراء أو فى خيام ممزقة منذ شهور، بعد أن دمرت الغارات الإسرائيلية المتكررة بيوتهم ومنشآتهم. ومع اشتداد الرياح وهطول الأمطار، تبدو الصورة أكثر قتامة، فى ظل شح الخيام الجديدة وغياب الوقود والمستلزمات الصحية.
يقول «أمجد الشوا» رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية فى غزة، أن معظم الخيام التى يقيم فيها النازحون لا تصلح حتى للحيوانات، فهى مهترئة، لا تقى من المطر ولا توفر الدفء».
ويشير «الشوا» إلى أن الحاجة الماسة الآن تقدر بنحو 300 ألف خيمة جديدة قبل حلول الشتاء لتفادى «كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة». ويضيف أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير تضمن إدخال أكثر من 300 ألف خيمة وبيوت متنقلة لإيواء نحو 288 ألف أسرة نازحة، لكن الاحتلال لم يلتزم ببنود الاتفاق، سواء فيما يتعلق بالملاجئ أو الضروريات الأخرى كالأغذية والأدوية والمعدات الثقيلة لإزالة الأنقاض.
مناشدات وفيضانات واوبئة
يقول المتحدث باسم الدفاع المدنى بغزة «محمود بصل» خلال تصريحات « للوفد «من القطاع» تلقينا مئات المناشدات لكن الإمكانيات معدومة لا مكان للانتظار والتأخير فى توزيع الخيام على المواطنين بغزة كل ثانية فى غزة تعرض حياة المواطنين للخطر».
ويضيف «بصل» أن الجميع يتعرض لكارثة حقيقية منذ الساعات الأولى لوصول المنخفض الجوى محذرا من المنازل المتصدعة والآيلة للسقوط معرضة للانهيار جراء المنخفض الجوى.
ويحذر «يحى السراج» رئيس بلدية غزة من خطر حقيقى يهدد حياة اهالى القطاع فى ظل الدمار الواسع ونقص المعدات وسط مخاوف من تكرار الفيضانات والانهيارات، خاصة فى مناطق النازحين داخل الخيام والمبانى المتضررة.
ويشدد «السراج» على عجز البلدية بالتدخل السريع بسبب فقدان الآليات الثقيلة خلال الحرب. مشيرا إلى ارتفاع منسوب بركة الشيخ رضوان لأكثر من 5 أمتار يهدد بغرق الأحياء القريبة وحدوث نكبة إنسانية.
ويضيف رئيس بلدية غزة أن ضعف المضخات ونقص الوقود يعيقان تفريغ المياه بشكل آمن والحاجة لثلاث مضخات جديدة على الأقل مع استمرار ضخ مياه الصرف الصحى أدى لتلوث البيئة والمياه الجوفية وخطر كارثة صحية وبيئية.
ويحذر «السراج» من انتشار الحشرات والبعوض والقوارض بسبب الركام والمخلفات ينذر بظهور أمراض وأوبئة مؤكدا أن فرق البلدية تعمل بإمكانات بدائية جدا وتحتاج دعما عاجلا قبل تفاقم الكارثة.
قيود خانقة وشلل فى الإغاثة
تشير البيانات الفلسطينية الرسمية إلى أن سلطات الاحتلال سمحت بدخول 3203 شاحنة فقط من أصل 13,200 شاحنة كان من المقرر دخولها خلال الفترة بين بدء وقف إطلاق النار ونهاية أكتوبر الماضى، أى ما يعادل أقل من ربع الكمية المتفق عليها.
كما أظهر تقرير لمكتب الإعلام الحكومى فى غزة أن متوسط عدد الشاحنات التى سمح بدخولها يومياً لا يتجاوز 145 شاحنة، مقارنة بالخطة الأصلية التى نصت على 600 شاحنة يومياً لتلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان.
وحذر التقرير من أن هذا البطء المتعمد فى تدفق المساعدات يهدد بانهيار شامل للبنية الإنسانية فى القطاع، خاصة فى ظل نقص حاد فى الوقود المستخدم لتشغيل المستشفيات ومحطات تحلية المياه والمخابز.
ويقول إسماعيل الثوابتة مدير مكتب الإعلام الحكومى فى غزة، أن القيود الإسرائيلية لا تستهدف فقط المساعدات الإنسانية، بل تشمل كل ما من شأنه أن يعيد إعمار القطاع أو يخفف معاناة أصحاب الأرض، مشيرا إلى أن منع إدخال المواد الخام والمعدات الثقيلة يعرقل إزالة الركام، ويجعل إعادة الإعمار شبه مستحيلة قبل سنوات طويلة.
200 ألف طن من القنابل.. و700 ألف طن من النفايات
على مدى العامين الماضيين، ألقت حكومة الاحتلال أكثر من 200 ألف طن من القنابل على القطاع، بحسب مكتب الإعلام الحكومى، ما أدى إلى تدمير أكثر من 90% من البنية التحتية. ولم تسلم المنازل ولا المدارس ولا الجامعات ولا حتى المساجد والكنائس من القصف، فتحولت غزة إلى مشهدٍ من الدمار الشامل، يصعب على أى منظمة إنسانية التعامل معه دون رفع الحصار.
ويحذر اتحاد بلديات قطاع غزة، من تداعيات تكدس 700 ألف طن من النفايات فى مكبات عشوائية، وسط عجز البلديات عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية جراء النقص الحاد فى الوقود والمعدات للتعامل مع الدمار الهائل الذى خلفه الجيش الإسرائيلى.
وأشار علاء البطة نائب رئيس الاتحاد إلى التحديات التى تواجه بلديات القطاع تحت وطأة أزمة الوقود والمياه ووسط تراكم النفايات. وأضاف البطة أن البلديات تواجه معادلة مستحيلة بسبب الدمار الهائل الذى لحق بالبنية التحتية، ونقص الوقود، وتدمير الآليات والمعدات، خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين.
وأوضح أن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى عجز البلديات عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الحيوية لجميع اهالى القطاع رغم مرور شهر على إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس» دون تحسن ملموس.
وتحذر تقارير أممية من أن استمرار هذا الوضع سيؤدى إلى تدهور إضافى فى مستويات الجوع والأمراض المعدية، خصوصا مع موسم الأمطار وانخفاض درجات الحرارة، حيث يعيش النازحون فى مناطق مفتوحة أو ملاجئ غير مجهزة.
وفى نهاية أكتوبر الماضى دعت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» إلى استعادة القدرة على الوصول للمساعدات الإنسانية قبل فوات الأوان، مؤكدة أن الشتاء سيكون الأقسى على الفلسطينيين منذ عقود.
وجاء فى بيان للوكالة نشر على موقعها الإلكترونى: «مع اقتراب فصل الشتاء فى غزة، أصبح الناس فى حاجة متزايدة إلى المأوى والدفء. آلاف العائلات لا تمتلك سوى أغطية بالية، ولا تستطيع حماية أطفالها من البرد أو المطر».
من جانبه، أكد مسؤول إغاثى فى غزة أن الوضع الإنسانى تجاوز حدود الكارثة، إذ بات النازحون يقيمون على ركام بيوتهم، ويستخدمون الأقمشة البلاستيكية بديلا عن الخيام، مشيرا إلى أن أى تأخير إضافى فى إدخال مواد الإيواء سيؤدى إلى خسائر بشرية مؤكدة.
وقد أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، تدمير وتضرر 282 ألف منزل فى غزة جراء القصف الإسرائيلى. ومع استمرار التجاهل الإسرائيلى والتقاعس الدولى، يخشى المراقبون أن يتحول الشتاء إلى فصل موت جماعى بطىء، حيث يواجه الفلسطينيون فى غزة ثلاثية الجوع والمرض والبرد، دون أن يلوح فى الأفق أى مؤشر على تحسن الوضع أو رفع القيود.
وفى ظل هذا الواقع، تبقى غزة شاهدة على فشل المنظومة الدولية فى حماية المدنيين وعلى كيف يمكن للسياسة أن تقتل ببطء حين تستخدم كسلاح يمنع عن الناس خيمة تقيهم المطر أو دواء ينقذ حياتهم.
70 مليار دولار لإعادة الإعمار
أبرزت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن اتفاق وقف إطلاق النار والهدنة الهشة فى قطاع غزة، أسهمت فى تخفيف حدة الأزمة الإنسانية التى تعصف بالقطاع بفعل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية التى استمرا لعامين، لكنها أكدت أن الأوضاع لا تزال حرجة، وأن الاحتياجات الإنسانية لا تزال هائلة. وقالت «كارولين سيجوين»، مسؤولة الطوارئ بمنظمة «أطباء بلا حدود»، إن المشهد فى غزة يظل صعبا للغاية، إذ يعيش العديد من الفلسطينيين فى خيام مؤقتة، يفتقرون إلى مياه صالحة للشرب وكهرباء، وسط تراكم القمامة وانتشار مياه الصرف الصحى.
وأضافت «سيجوين» أن هذا الوضع يضاعف معاناة المدنيين ويهدد صحة الأطفال وكبار السن بشكل خاص، مشيرة إلى أن الحاجة للمساعدات الطبية والغذائية عاجلة ومستعجلة وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن القيود الإسرائيلية على وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع لا تزال تشكل عائقًا كبيرًا أمام جهود الإغاثة.
وتشير التقارير إلى أن الكثير من الشاحنات التى تحمل مواد إغاثية تواجه تأخيرات طويلة أو تُمنع من الدخول، ما يترك آلاف المدنيين دون إمدادات أساسية.
وأكدت مصادر محلية فلسطينية أن بعض المستشفيات تعمل بأقصى طاقتها، لكنها تواجه نقصًا حادًا فى الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.
وأشار البنك الدولى إلى أن تكلفة إعادة إعمار غزة ستتجاوز 70 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم يوضح حجم الدمار الذى خلفته العمليات العسكرية الأخيرة. ويشمل ذلك إعادة بناء المنازل والبنية التحتية الحيوية، بما فى ذلك شبكات المياه والكهرباء والمستشفيات والمدارس.
ويقول خبراء الاقتصاد والتنمية إن التمويل الدولى وحده لن يكون كافيًا ما لم يتم توفير ضمانات أمنية واستقرار سياسى يسمح بتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار على الأرض.
ويشير تقرير الصحيفة الأمريكية إلى أن الأضرار التى لحقت بالقطاع شملت تدمير أجزاء كبيرة من شبكات المياه والصرف الصحى، ما أدى إلى تفشى الأمراض المعدية بين اهالى القطاع. كما أدت الهجمات إلى نزوح آلاف العائلات من منازلها، فيما تحولت بعض المدارس والمراكز المجتمعية إلى ملاجئ مؤقتة.
ويعيش بعض النازحين بجوار أكوام القمامة والمياه الملوثة، وهو ما يزيد من المخاطر الصحية ويضع الأطفال فى مقدمة المتضررين. كما أبرز التقرير أن القطاع الصحى يعانى ضغوطا غير مسبوقة، مع نقص فى الأطباء والممرضين والمستلزمات الطبية.
ووفقا لمنظمات إنسانية، فإن المستشفيات فى غزة تعمل بطاقة تفوق قدرتها، ويجرى التعامل مع عدد كبير من الإصابات فى ظروف صعبة للغاية، ما يضع الطواقم الطبية فى مواجهة تحديات ضخمة يوميا. وقالت «سيجوين» إن المنظمات الإنسانية تبذل جهودا غير مسبوقة لتلبية الاحتياجات المتزايدة، لكنها حذرت من أن الوضع سيظل خطيرا ما لم ترفع القيود المفروضة على عمل الإغاثة. وأضافت: «حتى مع الهدنة الحالية، لا تزال الأزمة الإنسانية فى غزة تتفاقم، والأهالى بحاجة ماسة إلى مياه نظيفة، غذاء، وأدوية أساسية».
كما أشار التقرير إلى أن الجهود الدولية لإعادة بناء القطاع ستحتاج إلى تنسيق مكثف بين الوكالات الأممية والدول المانحة، مع وضع خطط واضحة لضمان وصول المساعدات إلى كل المحتاجين.
واختتمت «نيويورك تايمز» تقريرها بأن الهدنة الحالية، رغم أنها خففت بعض الضغط عن السكان، لا تعالج الأزمة الجوهرية فى غزة. الاحتياجات الإنسانية تبقى ضخمة، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم مع مرور الوقت، ما يجعل من الضرورى استمرار الضغط الدولى لإزالة العقبات أمام عمل الإغاثة وتأمين تمويل واسع لإعادة الإعمار، لضمان ألا يتحول قطاع غزة إلى منطقة منكوبة على المدى الطويل.