رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

الزاد

افتتاح المتحف المصرى الكبير ليس مجرد حدث ثقافى أو أثرى، بل لحظة فارقة فى تاريخ مصر الحديث.

من ناحية، هو أكبر عملية تسويق وترويج عالمى لمصر، حيث تابع العالم كله هذا الحدث بحالة من الانبهار والدهشة، ليعيد رسم صورة مصر فى الوعى العالمى كدولة تصنع التاريخ وتقدمه فى ثوب عصرى حديث.

ومن ناحية أخرى، الافتتاح مناسبة وطنية من الطراز الأول، أظهرت مشاعر الانتماء والفخر فى نفوس المصريين، حين خرج الجميع يحتفلون بمجد أجدادهم وفخر حاضرهم.

نحن أمة تعرف كيف تصون ماضيها، وتستحضر مجدها لبناء المستقبل..

وافتتاح المتحف الكبير، ليس مجرد حدث أثرى أو احتفالية رسمية، بل أكبر حفل تسويق لمصر بالكامل، أعاد تقديمها للعالم فى صورة تليق بمكانتها وتاريخها الممتد عبر سبعة آلاف عام.

ويكفى ان نقول ان حفل افتتاح المتحف الكبير حضره ٧٩ وفدًا رسميًّا بينهم ٣٩ برئاسة ملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات وهذا يؤكد أهمية الحدث على الصعيدين الدولى والعالمى، وحضور تلك الوفود هو أكبر عملية دعاية وتسويق لمصر كلها.

هل هذا فقط الذى حدث، على الصعيد العالمى، فقد كانت «السوشيال ميديا» مقلوبة، والعالم كله يتابع هذا الحدث المهيب الذى لا يخص مصر وحدها، بل يمثل هدية مصر للبشرية. إنه حدث القرن بحق، لأن هذا الصرح يجمع بين عبقرية الماضى وروح الحاضر ورؤية المستقبل.

الاهتمام الدولى بالمتحف المصرى الكبير صنع لمصر دعاية غير مسبوقة، لا يمكن أن تشتريها بأموال العالم. فلو أنفقت الدولة ملايين الدولارات فى حملات ترويجية، لما حصدت ما حققته هذه اللحظة من إشعاع حضارى وتأثير عالمي. أما العائد السياحى، فسيظل ممتدًا لسنوات طويلة، فالمتحف أصبح قبلة العالم ومحط أنظار الباحثين وعشاق الحضارة.

إنه مشروع جعل من مصر محورًا للحديث العالمى، ورسّخ صورتها كدولة قادرة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين عبق التاريخ وقوة الحاضر.

و على صعيد المواطن المصرى، أحيانًا تأتى أحداث كبرى تُعيد ترتيب الوجدان الوطنى وتوقظ فينا عشقا للوطن الموجود بطبعه فى الوجدان لكنه يخرج فى مثل هذه المناسبات.

المصريون بطبعهم محبون لوطنهم، يعرفون متى يحتفون به، وكيف يعبّرون عن انتمائهم الحقيقي. ومع لحظة الافتتاح، خرجت هذه المشاعر من أعماق القلوب إلى السطح، إلى القمة.

رأينا فرحةً صادقة تُعيد إلى الأذهان أيامًا لم تُنسَ. فى المنازل، كان الناس يهنئون بعضهم بعضًا، وفى الشوارع خرجوا إلى محيط المتحف للاحتفال. وكأن مصر بأكملها قررت أن تشارك فى عيدها الثقافى الأعظم.

نسينا كل مشاكلنا، لأن المشهد الوطنى كان أكبر من كل التفاصيل المعيشية. فحين يشعر الإنسان بالفخر والانتماء، يعلو الإحساس الوطنى فوق أى معاناة يومية. كان المشهد يعكس روحًا جديدة تسرى فى شرايين المصريين، روحًا تقول: نحن أبناء حضارة لا تموت.

ولعل هذا هو أكبر عائد معنوى من افتتاح المتحف الكبير، أنه أعاد روح الانتماء إلى مكانها الطبيعى فى وجدان المصريين.

وقد لا نبالغ إذا قلنا إن مصر لم تشهد مشهدًا من الفرح الجمعى بهذا الحجم منذ تأهلنا لكأس العالم عام 1990، حين خرج المصريون إلى الشوارع بعد غياب 56 عامًا عن المونديال، ثم تكرر هذا الاحتفال فى ثورة 30 يونيو، عندما قررت مصر كلها طرد الاخوان من المشهد السياسى. لكن الفرح هذه المرة مختلف، لأنه نابع من منجز حضارى خالد. 

 المتحف الكبير ليس مجرد مبنى يضم آثارًا، بل هو رمز لنهضة وطنية، شهادة على أن المصريين قادرون على صناعة الدهشة متى أرادوا.

ومن خلاله، أكدت مصر للعالم أن أبناءها ما زالوا يسيرون على خُطى أجدادهم، يكتبون التاريخ بالحجر كما كتبوه أول مرة.

وإذا كان افتتاح المتحف الكبير هو ذروة ما تحقق، فإنه ليس نهاية المشوار بل بدايته. فكل حجر فيه يحمل وعدًا بالمستقبل، وكل قطعة أثرية تُذكرنا بأن ما مضى من مجد ليس إلا مقدمة لما هو آتٍ.

إنها لحظة تؤكد أن مصر لا تحتفل بالماضى فقط، بل تُمهّد لبزوغ عصر جديد، تكتب فيه فصلًا آخر من حضارتها الممتدة، لتظل دائمًا كما كانت... مهد التاريخ، ونبع الإبداع، ووجدان الإنسانية.