ماذا بعد؟!
تتجدد فصول «الهروب الكبير» للاعبى الألعاب الفردية المصرية، لتصبح ظاهرة مؤرقة وشبحًا يهدد مستقبل الرياضة المصرية ففى الوقت الذى تتصاعد فيه هتافات التقدير والاحتفاء بالنجوم المصريين الذين يعتلون منصات التتويج العالمية، يُفاجأ الجمهور بأن هذا البطل أو ذاك قد قرر التخلى عن علم بلاده وتمثيل دولة أخرى، فى حلقة متكررة من مسلسل «التجنيس مقابل والهروب الكبير».
إنها ليست حالات فردية عابرة، بل موجة متصاعدة تكشف عن خلل عميق ومزمن فى المنظومة الرياضية المصرية وللأسف فشلت وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية المصرية والاتحادات الرياضية فى حلها.
رغم أن هذه الألعاب- كالمصارعة، ورفع الأثقال، والجمباز، والإسكواش- هى المناجم الحقيقية للميداليات الأولمبية والدولية لمصر، فإن أبطالها غالبًا ما يجدون أنفسهم فى مواجهة جدران الإهمال والروتين والتقدير المادى الزهيد وأنهم يبحثون عن طوق النجاة على حسب أقوالهم.
لا أحد ينسى حكاية وطن وحينما صعد وزير الشباب والرياضة وتحدث أمام فخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية عن الإنجازات الوطنية فى قطاع الرياضة، تحدث السيد الرئيس حينما علق على رحيل رياضيي مصر خارج البلاد موجهًا رسالة لوزير الشباب والرياضة «ميصحش نسيب ولادنا»، فماذا فعلت وزارة الشباب والرياضة، زيادة كبيرة فى عدد تجنيس اللاعبين وهروبهم خارج البلاد.
تتباين أسباب هروب اللاعبين بين الإهمال المادى والإدارى، لتتفق جميعها على غياب «الاحتكام» الحقيقى للبطل، فمنظمة الرياضة المصرية، وخاصة اتحادات الألعاب الفردية، تُتهم بشكل متكرر بالقصور فى توفير الحد الأدنى من متطلبات الاحتراف، حيث تواضع الدخل والمكافآت التى يشكو العديد من الأبطال من أن رواتبهم الشهرية لا تتناسب مع سنوات التضحية والتدريب الشاق، بل قد يضطرون لتحمل نفقات علاجهم وإعدادهم الشخصى، وبالتالى وعندما تأتى عروض الدول الأخرى بإغراءات مالية كبيرة وضمانات لمستقبلهم، يصبح قرار الرحيل هروبًا إلى «طوق النجاة» وليس خيانة للوطن.
إضافة إلى ذلك غياب الرعاية الطبية والمنهجية الكثير يشتكى من ضعف منظومة الطب الرياضى وغياب خطط الإعداد والدعم المنهجى، وهو ما يدفعهم للبحث عن بيئات احترافية توفر لهم متابعة طبية متخصصة ونظم تغذية وتدريب عالمية، سؤال اخر ماذا فعلت وزارة الشباب والرياضة فى مستشفى الطب الرياضى بمدينه نصر التى مازالت بيت مهجور؟!
علاوة على الخلافات الإدارية والمحسوبية حيث لا يمكن إغفال دور «البيئة السامة» داخل بعض الاتحادات، حيث تُدار الأمور أحيانًا بمنطق الخلافات الشخصية والمحسوبية، ما يؤدى إلى تهميش أبطال حقيقيين لمجرد خلاف مع مسئول.
هل كيشو جانى أم مجنى عليه؟! للأسف انتفاضة وزارة الشباب والرياضة واتحاد المصارعة واللجنة الأولمبية المصرية جاءت متأخرة، اللاعب بدءت عليه علامات التنمر والعصيان بداية من المعسكرات النهائية الخاصة باستعدادات باريس ٢٤، وعقب ذلك ذهب اللاعب وكانت السقوط الكبير حينما تناولت الصحف العالمية أن لاعبًا مصريًا مشاركًا فى دورة ألعاب باريس متهم فى قضية تحرش جنسى والتى خرج منها براءة نتيجة عدم اكتفاء الأدلة، لكن اللاعب خرج فى تصريحات إعلامية وقال إنه لا يرضى ربنا أن أكون بطلًا عالميًا خمس مرات، وأحمل ميدالية أولمبية، وبطل إفريقيا 13 مرة، وراتبى لا يتجاوز 1500 جنيه شهريًا، المبالغ التى كنت أحصل عليها من الرعاية كنت أنفقها بالكامل على المعسكرات الخارجية، ولم أستفد منها شخصيًا»، بدأت إجراءات تجنيسى فى أمريكا، ولست مستعدًا للاستماع مجددًا لوعود المسئولين ملوحًا لوزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية المصرية والاتحاد المصرى للمصارعة بعد كل ما مررت به من ظلم، القانون يقول إنه يجب أن تمر ثلاث سنوات قبل أن أتمكن من اللعب باسم أمريكا، لكن حتى لو اضطررت للانتظار عشرين عامًا، سألعب باسمها، لأننى تحملت كثيرًا وظُلمت كثيرًا».
بيان وزارة الشباب والرياضة يثير الجدل الاتجار بالبشر؟! والهجرة الغير شرعية؟!، هل وزارة الشباب والرياضة تدرك هذه المفردات المستخدمة ماذا تعنى؟!، هل الهدف حماية أبناء مصر من التجنيس؟!، أم إثارة الرأى العام والهروب من مسئولية الهروب الكبير (التجنيس)؟
عزيزى القارئ إن تجنيس الأبطال المصريين ليس مجرد خسارة ميداليات، بل هو نزيف للكوادر وشهادة فشل فى استثمار أهم الموارد الوطنية الإنسان، وعلى المعنيين أن يدركوا أن قيمة البطل لا تُقاس فقط بالميدالية التى يحصدها، بل بالاحترام والرعاية التى تُقدم له وهو تحت راية وطنه.