نبض الكلمات
لم تعد الانتخابات حدثاً ديمقراطياً يخطف الأنظار والقلوب ويثير الحماس ليعبر عن إرادة الناس، بل تحولت إلى مسرحية سياسية سخيفة محبوكة السيناريو، تكتب فصولها في الغرف المغلقة، وتوزع أدوارها، لم تعد الانتخابات تعبيراً عن إرادة حقيقية للشعب، ولا انعكاساً لصوت الجماهير الباحثة عن التغييروقوة التشريع، بل تحولت إلى عرض سياسي متقن الإخراج، تُوزع فيه الأدوار مسبقاً، ويختار أبطاله من بين من يملك المال الأكثر والنفوذ، لا من يملك الضمير والانتماء والخبرة والكفاءة ، ماتت معايير اختيار نائب الدائره ودفنت فرصة الرموز الوطنية التي تتحلي بالضمير الوطني ومشاعر الولاء لدائرته..القوائم تفصل خلف الأبواب المغلقة، والمعايير تستبدل بالولاءات، والمقاعد تمنح لمن يدفع أكثر، في مشهد يجرد العملية الانتخابية من معناها الوطني،حتي أصبحت الديمقراطية ديكوراً زائفاً ،تحسم فيه النتائج مقدماً وواقعٍ يزداد انغلاقاً، وبرلماناً يُصنع في الكواليس قبل أن تفتح صناديق الاقتراع
المال السياسي بات الحاكم الفعلي في المشهد الانتخابي، يشتري الصمت، ويصنع الولاءات، ويغلق الطريق أمام الوجوه الوطنية الحرة..فكيف يمكن لنائبٍ صعد على أكتاف المال أن يشرع لمصلحة المواطن؟ ومن أين تأتي الرقابة إذا كانت الكلمة لمن دفع لا لمن انتخب؟..لقد فقدت الانتخابات معناها بعدما أصبحت صفقة استثمارية لا استحقاقاً دستورياً، وصار المقعد النيابي استثماراً مربحاً لمن يبحث عن النفوذ والحصانة، لا عن خدمة الوطن ، وبينما يُقصى أصحاب الكلمة الصادقة، يُفتح الباب واسعاً أمام من يعتبرون البرلمان مشروعاً خاصاً وهدفا لتحقيق المصالح، لا تكليفاً وطنياً ، فإن المشهد السياسي اليوم يكشف انهيار المفهوم الحقيقي للتمثيل الشعبي ، فما نراه اليوم ليس تنافساً بين برامج أو أفكار، بل سباق محموم على القوائم، ومزاد علني على الولاءات..
مرشحون يفرضون على دوائر لا يعرفهم فيها أحد، بينما تستبعد شخصيات لها تاريخ وخدمة حقيقية، المال السياسي أصبح اللاعب الأكبر في اللعبة الانتخابية، فـالمقعد لم يعد ثمرة كفاح شعبي أو ثقة الناس، بل صفقة تدفع قيمتها نقداً أو نفوذاً ..تتحرك القوافل، وتوزع الهبات، وتعقد الصفقات خلف الكواليس، بينما المواطن العادي يتفرج، فاقد الإيمان بأن لصوته قيمة أو لخياره أثرا.
إن استمرار هذا النهج لا يفرز إلا برلماناً مشوهاً، عاجزاً عن الدفاع عن الناس أو محاسبة السلطة، لأن أعضاءه مدينون بوجودهم لمن صنعهم لا لمن انتخبهم ، وحتى يدرك صانع القرار أن الشعوب لا يمكن خداعها إلى الأبد، ستظل الانتخابات مجرد طقس سياسي مفرغ من مضمونه، وستبقى القوائم مفصّلة على المقاس، والمقاعد تُشترى علي اساس المال بعيداً عن شعبية المرشح، إلى أن يأتي يوم تعود فيه الكلمة للشعب وحده، لا للمال ولا للولاء.
لم يعد المشهد البرلماني كما كان في الماضي، حين كان النائب يخوض معركة انتخابية حقيقية، يجوب القرى والنجوع، ويعرض أفكاره وبرنامجه في مؤتمرات جماهيرية تُعقد خصيصاً له، ويكسب احترام الناس بجهده ووجوده الفعلي بينهم ، اليوم، وبعد أن تم "تستيف الكراسي" وتوزيعها سلفاً داخل القوائم المغلقة، اختفت تلك الصورة تماماً، وتراجع النائب الشعبي لصالح نائب القوائم والتربيطات والصفقات ، كانت الدائرة يوماً ما هي الميدان الحقيقي لاختبار حب الناس وثقتهم، وكان النائب هو ابنها الذي يعرف مشاكلها بيتاً بيتاً، يشاركهم أفراحهم وأزماتهم، ويقف على المنصة مدافعاً عنهم بصدق ، أما الآن، فقد صار المقعد يمنح لأهداف بعيده تمام عن طقوس العملية الانتخابية، وتحدَد أسماؤه في الغرف المغلقة، لتتحول العملية الانتخابية إلى مشهد صامت، بلا منافسة، بلا حرارة، بلا روح ، حتي النائب الجماهيري اختفى، لأن المال حلّ محل الشعبية، لقد فقد البرلمان روحه الشعبية، وأصبح أقرب إلى "نادي مغلق"، وبات النائب جزءاً من منظومة لا تمثل الشارع بقدر ما تمثل من اختاروه أو موّلوه ، فإن أخطر ما يواجه الحياة السياسية اليوم هو غياب النائب الحقيقي ، ذلك الذي كان يحمل هموم دائرته في قلبه وصوته ، فحين يُستبدل صوت الناس بصفقات النخبة، تختفي السياسة، وتضيع فكرة "التمثيل الشعبي"في زحام المصالح ، ويبقى السؤال:هل يمكن أن نستعيد النائب الذي كان يخوض معركته بشرف بين الناس؟ أم أن زمن نائب الشعب قد انتهى إلى غير رجعة في زمن تستيف الكراسي وتوزيع الولاءات؟
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]