رؤية
فى كل مرة تعلن الحكومة عن زيادة أسعار المحروقات يجد المواطن نفسه أمام السؤال ذاته: لماذا ارتفاع أسعار البنزين؟
لا توجد بيانات رسمية توضح حجم الوفرة من الوقود ولا توجد أيضًا شفافية فى طرق التسعير، بينما تستمر المعاناة اليومية فى المواصلات، وتزداد تكاليف المعيشة دون أن يقابلها تحسن ملموس فى الخدمات أو الدخل.
الزيادة التى بشّرت بها الحكومة فى وقت سابق بداية أكتوبر الجارى وصفتها بأنها «تعديل دورى وفق الأسعار العالمية»، جاءت فى وقت يشهد فيه السوق العالمى استقرارًا فى أسعار النفط، بل إن البعض يرى أن الأسعار العالمية مستقرة نسبيًا. وهذا ما جعل كثيرين يصفون القرار بأنه زيادة بلا مبرر، أو على الأقل بلا تفسير واضح ومقنع للمواطن.
تقول الحكومة إن لجنة التسعير التلقائى للمنتجات البترولية تراجع الأسعار كل ثلاثة أشهر وفقًا لمعادلة تشمل السعر العالمى وسعر الصرف وتكاليف النقل والتوزيع.
لكن فى الواقع، يرى خبراء الاقتصاد أن المعادلة نفسها غير معلنة بالكامل، ولا أحد يعرف بدقة وزن كل عامل فيها، ما يجعلها أقرب إلى قرار إدارى منه إلى آلية حقيقية.
فإذا كان السعر العالمى مستقرًا، وسعر الدولار شبه ثابت خلال الأشهر الماضية، فما الداعى إلى زيادة أسعار المواد البترولية؟
والسؤال هنا: هل هو عجز فى الموازنة العامة تحاول الدولة تعويضه عبر جيوب المواطنين؟ أم أن هناك أهدافًا نحو تقليص الدعم تدريجيًا؟
الزيادة فى البنزين لا تبقى محصورة داخل محطات الوقود، بل تمتد إلى كل جوانب الحياة لتشمل تذكرة النقل العام، أسعار السلع، خدمات التوصيل، وحتى فواتير المرافق ... إلخ.
ففى بلد يعتمد فيه ملايين المواطنين على الميكروباص والتوك توك، أى زيادة فى البنزين تتحول فورًا إلى عبء إضافى على الأسر محدودة الدخل، دون أن يكون لهم بديل حقيقي.
المطلوب ليس فقط تفسيرًا فنيًا للأرقام، بل سياسة واضحة تراعى العدالة الاجتماعية وتربط بين القرارات الاقتصادية ومستوى المعيشة الفعلى للمواطن.
فمن حق الناس أن يعرفوا: كيف تُحسب الأسعار؟ أين تذهب أموال رفع الدعم؟ ولماذا لا يشعر المواطن بأى تحسن مقابل ما يتحمله من زيادات متكررة؟
الزيادة «بلا مبرر» ليست مجرد وصف شعبى غاضب، بل تعبير عن فجوة ثقة بين الشارع والحكومة.
وما لم تعالج الدولة هذه الفجوة عبر الشفافية والمصارحة، فستبقى كل زيادة فى البنزين أكثر من مجرد رقم جديد فى لوحة الأسعار - ستكون رمزًا لاحتقانٍ اجتماعيٍ متصاعد يحتاج إلى من يسمعه قبل أن يتفاقم.