تكتب مصر اليوم فصلا جديدا من تاريخها السياسى، عبورا ثانيا لا تصحبه الدبابات ولا هدير الطائرات، بل تقوده الدبلوماسية والعقل والرؤية، ففى الوقت الذى تتقاطع فيه الأزمات الإقليمية وتختلط فيه المصالح، اختارت القاهرة أن تكون صوت الاتزان والعقل وأن تحوّل شرم الشيخ من مدينة السلام إلى منصة لإعادة تعريف السياسة فى الشرق الأوسط.
منذ اندلاع الحرب على غزة التزمت مصر بموقف واضح وثابت، لا لتصفية القضية الفلسطينية لا للتهجير القسرى، نعم لحل الدولتين باعتباره الطريق الوحيد نحو سلام دائم، ورغم الضغوط المكثفة وحملات التشويه، تمسكت القاهرة بخطها الدبلوماسى المتوازن انطلاقا من قناعة راسخة بأن العدل هو أساس الأمن، وأن استقرار المنطقة يبدأ من إنصاف الشعب الفلسطينى.
جاءت قمة شرم الشيخ لتؤكد أن مصر ما زالت الرقم الصعب فى معادلة الشرق الأوسط، فقد نجحت القيادة المصرية فى جمع قادة العالم حول طاولة واحدة، من الولايات المتحدة وأوروبا إلى العالم العربى، إدراكا بأن أى تسوية عادلة لا يمكن أن تتم دون الحضور المصرى كان المشهد واضحًا: القاهرة عادت إلى مركز القرار الإقليمى والدولى بعد سنوات حاول فيها البعض تجاوزها أو تهميش دورها.
كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال القمة كانت رسالة مباشرة للعالم حدد فيها بوضوح الثوابت الوطنية والمبادئ الحاكمة للسياسة المصرية، لا أمن لمصر إن كُسر الجار الفلسطينى ولا استقرار دون دولة فلسطينية مستقلة، ولا قبول بأى ترتيبات تمس الأمن القومى أو تحاول نقل الأزمة إلى الأراضى المصرية، كانت الكلمات حاسمة فى مضمونها، تعكس موقف دولة تعرف قدرها وتحمى مصالحها دون انفعال أو تردد.
فى القاعة التى شهدت مفاوضات السلام قبل عقود أعادت مصر تعريف الدبلوماسية من جديد، دبلوماسية لا تعتمد على الشعارات ولا تلهث وراء الأضواء، بل ترتكز على المبادئ والواقعية السياسية معا، فبينما انشغل البعض بالمزايدات ركزت القاهرة على الهدف الأساسى، وقف الحرب فورا وفتح الطريق لإعادة الإعمار ثم إطلاق عملية سياسية تضمن العدالة والاستقرار الدائم.
قمة شرم الشيخ لم تكن مجرد لقاء دبلوماسى، بل محطة فارقة أكدت أن مصر استعادت ثقتها بنفسها وبقدرتها على التأثير فبعد سنوات من مواجهة تحديات اقتصادية وأمنية صعبة عادت الدولة المصرية لتقول للعالم إن استقرارها الداخلى هو مصدر قوتها الخارجية وأن تمسكها بالثوابت هو سر احترامها فى الإقليم.
حفظ الله مصر حفظ الله الجيش.