رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

ذكرياتى (٢٢)

فى حياة كل إنسان أمور دقيقة ومواقف لطيفة لا تمحى من الذاكرة، بعضها يظل ماثلا أمامها طويلا، وبعضها تستدعيه الذاكرة بين الحين والآخر ولا سيما إذا جد من الظروف ما يشبه تلك المواقف السالفة أو مرَّ الإنسان بموطن الذكرى أو التقى بصاحبها أو من عايشها معه أو من يذكره بها. 

ومن ذلك أذكر أننى يوم أن كنت معيدا بالجامعة وكانت الجامعة حينئذ تستعين بموظفين من بعض الجهات الحكومية الأخرى لأعمال المراقبة على لجان الامتحانات، وكان بعضهم من غير العاملين بالقطاع التعليمى المتمرسين بأعمال الامتحانات وبعضهم بالمعاش، فلم يكن لدى بعض هؤلاء القدرة والحنكة الكافية على القيام بمهام المراقبة على الوجه المنشود، وهو ما دعا الجامعة لاحقا لهذا السبب من جهة وترشيدا للنفقات من جهة أخرى إلى عدم الاستعانة بهم وإسناد المهمة كاملة إلى الهيئة المعاونة والعاملين بالجامعة المدركين لطبيعة العمل بها القادرين على إحكام الأمر فى العملية الامتحانية. 

وبينما كنت أَمرُّ على بعض اللجان المكلف بالمرور عليها للاطمئنان على سير الامتحانات بها رأيت أحد المراقبين لا يبالى بما يحدث فى اللجنة ولا يحسن ضبط أمورها، فقلت له وبمنتهى اللياقة واللطف: لابد من ضبط اللجنة بما يمنع أى نوع من الغش ويمكن الطلاب من التركيز وأداء امتحانهم بسهولة ويسر دون ضجيج أو تشتت، فوعدنى الالتزام بذلك، ولكن يبدو أن هذه كانت قدراته وإمكاناته وطبيعته وشخصيته، فلما رآنى قادما من بعيد فى يوم تال أراد أن يبرهن لى على جديته فأمسك بطالبين كان موضع امتحانهما بالممر وليس داخل المدرج ما مكننى من رؤيتهما جيدا عن بُعد، فلم أر منهما أى مخالفة ثم صاح بأعلى صوته وأنا على بعد منه: الحقنى يا دكتور، فأقبلت والطالبان يرتجفان ويقسمان أنهما ما فعلا شيئا مخالفا قط، ولا تفوّه أى منهما بكلمة ولا حتى التفت إلى صاحبه، فهدّأت من روعهما، وقلت لهما: أكملا امتحانكما ولا تقلقا، ثم أخذت المراقب جانبا، وقلت له: لقد قلت لك: نريد ضبط اللجنة وتوفير الجو المناسب لطلابنا، لا أن نظلم أحدا منهم، وأرشدته إلى ما يجب أن يكون، ثم تابعته بعد ذلك فى بقية الامتحانات فلم أجد منه بأسا، لكننى أوصيت الكنترول أن يكون معه دائما فى لجنته مراقب شاب نشط ليتمكنا معا من ضبط شئون اللجنة على الوجه الأكمل. 

أما الموقف الثانى فموقف جد طريف، وهو أنه كان ولا يزال معلوما عنى أنه لا ينجح عندى سوى من يستحق النجاح بلا إفراط ولا تفريط، وكان ذلك منهجا انتهجته طوال حياتى العلمية والمهنية والعملية، وسألتزمه ما حييت قناعة بأن ضبط العملية الامتحانية أحد أهم جوانب العملية التعليمية ومقياس نجاحها الحقيقى، ودخل عليّ طالب فى الفرقة الرابعة فى الاختبار الشفوى، وكان من المفترض أن يُمتحن فى القرآن الكريم كاملا، ولم يكن الطالب يحفظ شيئا يذكر منه حتى أننى قلت له، هل تحفظ جزء «عم»؟ فقال: اسأل، ولم يقل: نعم أحفظ، فغلب على ظنى أنه حتى جزء «عم» لم يحفظه جيدا مع أنه حتى لو حفظه لا يحقق له الحد الأدنى من درجات النجاح، ولكنى قلت فى نفسى معه لآخر الدرب، وقلت له: اقرأ «إنّ جهنم كانت مرصادا»، فقال هروبا من عدم قدرته على الإجابة: إن القرآن الكريم فيه آيات كثيرة عن الجنة ونعيمها فلماذا السؤال عن النار، فسألته السؤال الثانى عفويا، إذن فقل أول المطففين، فقال مبتسما، من جهنم للمطففين كلها جهنم، ثم قال: أعلم أنى سأرسب فى القرآن، سلنى فى النحو وهو ما يعرف فى الفرقة الرابعة بامتحان التعيين، فانتقلت إليه، وبالطبع رسب فى القرآن ونجح فى التعيين بالحد الأدنى للنجاح وفق إجابته.

وللحديث بقية.

الأستاذ بجامعة الأزهر