مديرة إقليم شرق المتوسط بـ"الصحة العالمية": منطقتنا تواجه أخطر التحديات الصحية عالميًا

أكدت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، أن العالم والمنطقة يمران بمرحلة “غير مسبوقة من الاضطراب وعدم اليقين”، في ظل تصاعد الحروب والكوارث والنزوح وتراجع المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى تدهور الوضع الصحي في العديد من الدول.
وقالت بلخي، في كلمتها خلال افتتاح أعمال الدورة الـ72 للجنة الإقليمية لشرق المتوسط، إن “المنطقة التي تضم أكثر من 750 مليون نسمة تواجه أزمات متداخلة تهدد الحق في الصحة”، مشيرة إلى أن ثلثي الهجمات العالمية على المرافق الصحية العام الماضي وقعت في دول الإقليم، وهو ما اعتبرته “مؤشرًا خطيرًا على أن الصحة نفسها أصبحت تحت الهجوم”.
وأضافت:
“رأينا أناسًا يموتون جوعًا أثناء بحثهم عن الطعام، ونساء يلدن في غياب الأمان والكرامة، وأطفالًا بلا حماية أو لقاحات، ومستشفيات تتحول من ملاذات إلى ساحات للموت”.
ورغم ذلك، أكدت بلخي أن الأمل ما زال قائمًا، وأن هناك من يواصلون الإيمان برسالة منظمة الصحة العالمية وحق الجميع في الرعاية الصحية، موجهة تحية خاصة للعاملين الصحيين في مناطق النزاع، مثل أطباء السودان، وفِرق استئصال شلل الأطفال في أفغانستان وباكستان، والمدافعين عن بيئة الأهوار في العراق.
وفيما يخص ما حدث مت إنجازات بارزة في مكافحة الأمراض والتطعيم
استعرضت الدكتورة بلخي أبرز ما حققته دول الإقليم في عام 2024، مشيدة بانخفاض حالات شلل الأطفال البري في أفغانستان وباكستان، واحتواء فاشيات الفيروس المشتق من اللقاح في غزة ومصر.
وأشارت إلى أن 85% من أطفال المنطقة يحصلون على خدمات التطعيم الروتيني، وتم تقديم أكثر من 30 مليون علاج للأمراض المدارية المهملة، بينما أصبحت السودان أول دولة في الإقليم تُدخل لقاح الملاريا.
كما حققت مصر إنجازات كبيرة بعد السيطرة على التهاب الكبد B واعتمادها خالية من الملاريا، وانضمت إلى البحرين وإيران وعُمان في القضاء على الحصبة والحصبة الألمانية، فيما أصبحت الأردن أول دولة في العالم تتحقق رسميًا من القضاء على مرض الجذام.
في مجال الأمراض غير السارية، أُعلن اعتماد السعودية وسلطنة عمان خاليتين من الدهون المتحولة الضارة، كما تبنت 14 دولة سياسات فعّالة للحد من أمراض القلب والسكري، وطبقت دول عدة إجراءات قوية لمكافحة التبغ، منها التغليف الموحد في السعودية وعمان، والرسائل التحذيرية المصوّرة في تونس والعراق، وحظر الدعاية والرعاية في المغرب، وزيادة الضرائب في 6 دول.كما حدث تقدم في الصحة النفسية والمناخ والرقمنة
وأوضحت بلخي أن خدمات الصحة النفسية توسعت في 14 دولة، وتم دمجها تدريجيًا في الرعاية الصحية الأولية، فيما قُدمت خدمات الدعم النفسي والاجتماعي في الأزمات في دول مثل أفغانستان ولبنان وفلسطين وسوريا والسودان.
وأشارت إلى أن أكثر من 150 مدينة في الإقليم تراقب جودة الهواء، وأن سبع دول دمجت الصحة في خططها الوطنية لمواجهة التغير المناخي.
كما أبرزت التطور الكبير في التحول الرقمي الصحي، لافتة إلى أن مصر أنشأت برنامجًا وطنيًا نموذجيًا للإرشادات الإكلينيكية والصحة العامة، وحصلت السعودية على جائزة التميز العالمية في البيانات الصحية خلال جمعية الصحة العالمية الـ77.


المبادرات الإقليمية الثلاث: الدواء – القوى العاملة – مكافحة تعاطي المخدرات
قالت بلخي إن المبادرات الإقليمية الثلاث التي أطلقت العام الماضي بدأت تؤتي ثمارها، إذ حققت تقدمًا ملموسًا في تسهيل الوصول إلى الأدوية، وتطوير القوى العاملة الصحية، ومواجهة تعاطي المواد المخدرة.
ففي ملف الدواء، وصلت الهيئة السعودية للغذاء والدواء إلى المستوى الرابع من نضج المنظومات الرقابية وفق تصنيف منظمة الصحة العالمية، وتستعد لأن تصبح أول جهة معترف بها رسميًا في الإقليم بحلول عام 2026، بينما حققت هيئة الدواء المصرية المستوى الثالث، وتقترب منها المغرب وباكستان وتونس.
كما تم إطلاق آلية إقليمية للشراء الجماعي للأدوية وتطوير مستودعات رقمية، إلى جانب مبادرة التناغم التنظيمي في شمال إفريقيا التي تضم الجزائر ومصر وليبيا وموريتانيا والمغرب وتونس.
وفي ملف القوى العاملة، حذرت بلخي من أن الإقليم سيواجه عجزًا متوقعًا يبلغ 2.1 مليون عامل صحي بحلول 2030، مؤكدة أن الدول بدأت بالفعل في تطوير سياسات للتعليم والتدريب وتحسين بيئة العمل، بالتعاون مع جامعة الدول العربية والمجلس العربي للاختصاصات الصحية.

أما في ملف مكافحة تعاطي المخدرات، فكشفت أن 6.7% من سكان الإقليم بين 15 و64 عامًا استخدموا مواد مخدرة خلال العام الماضي، مع ارتفاع معدلات العبء المرضي الناتج عنها بنسبة 20% منذ عام 1990.

وأشارت إلى تعاون المنظمة مع مكاتب الأمم المتحدة والدول الأعضاء لإطلاق تحالف إقليمي لمكافحة الإدمان، وتطوير أدوات مثل “أطلس استخدام المواد المخدرة” وبرامج وقاية مدرسية وتدريب الكوادر الصحية، مع بدء مصر وباكستان تنفيذ برامج علاج بدائل الأفيون.
- الاستجابة للأزمات الصحية*
أكدت بلخي أن منظمة الصحة العالمية تظل “الركيزة الأساسية للاستجابة الصحية” في منطقة تتحمل ثلث أزمات الصحة العالمية، موضحة أن جهود المنظمة أسهمت في السيطرة على 8 من أصل 9 فاشيات كوليرا العام الماضي بمعدلات وفيات دون 1%.
كما أرسلت مستودعات المنظمة في دبي إمدادات بقيمة 34 مليون دولار إلى 75 دولة، وساعدت العراق في خفض وفيات الحمى النزفية من 18% إلى 5% خلال عام واحد.
وفي غزة، أوضحت أن المنظمة وفرت 60% من الإمدادات الطبية التي دخلت القطاع، بما في ذلك الوقود والعلاجات والعمليات الجراحية، وساعدت في تنفيذ 7800 عملية إجلاء طبي.
كما واصلت دعم السودان في مواجهة الكوليرا وحمى الضنك والملاريا، وساعدت سبع دول في الحصول على 128 مليون دولار من صندوق الجوائح لتعزيز القدرات الوبائية والمختبرية.
أزمة التمويل *
أشارت بلخي إلى أن المنطقة تواجه أزمة تمويل حادة مع تقلص المساعدات الدولية، إذ تم إغلاق أكثر من 450 عيادة في أفغانستان والسودان وسوريا، ما حرم 2.5 مليون شخص من الرعاية الصحية، إضافة إلى تراجع خدمات التغذية للأسر النازحة وتعطل خدمات صحة الأم والطفل.
وفي المقابل، نجحت المنظمة في تعبئة 1.4 مليار دولار عام 2024، وإطلاق 15 شراكة جديدة، وتأسيس فريق إقليمي لتمويل الصحة لدعم الدول في تعبئة الموارد المحلية وتعزيز الكفاءة والاستدامة.
لكنها حذرت من أن 40% من ميزانية الإقليم لعامي 2026–2027 ما زالت غير ممولة، بما يعادل 215 مليون دولار، مؤكدة أن “النموذج الحالي للتمويل غير مستدام”، وأن التضامن الإقليمي أصبح ضرورة لا خيارًا.
وفي ختام كلمتها، وجهت الدكتورة حنان بلخي نداءً مؤثرًا قالت فيه:
“لا يمكننا بناء أنظمة صحية تعتمد على أولويات الآخرين. يجب أن نستثمر في أنظمتنا وشعوبنا.
بدلاً من الحرب.. السلام،
وبدلاً من اليأس.. الأمل،
وبدلاً من اللامبالاة.. الرحمة،
وبدلاً من المرض.. الصحة”.