«لفت نظر»
عادت القاهرة من جديد إلى صدارة المشهد الدولى، ليس فقط كعاصمة عربية، بل كعاصمة القرار، وصاحبة الصوت الذى يسمع عندما تصمت البنادق وتعلو لغة السياسة.
فبعد أسابيع من المفاوضات الماراثونية التى أنهكت الجميع، نجحت الوساطة المصرية فى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة، بعد جولات متتالية من الحوار غير المعلن بين القاهرة وواشنطن وتل أبيب والدوحة وحماس.
لكن ما لم يعلن فى البيانات الرسمية، كشفه مبعوث الرئيس الأمريكى، ريتشارد ويتكوف، عندما قال أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى وفى وجود فريق العمل المصرى «لو لاكم، ما كنا وجدنا شيئاً».
عبارة قصيرة لكنها تختصر حقيقة الدور المصرى الذى تجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، ليصبح الدرع الذى يحمى بقايا الإنسانية فى غزة، والميزان الذى يعيد التوازن إلى المنطقة كلما مالت كفتها نحو الفوضى.
من المقرر أن يصل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى القاهرة يوم الاثنين المقبل، فى زيارة وصفت فى الأوساط الدبلوماسية بأنها «زيارة تقدير وشكر».
فالإدارة الأمريكية الجديدة، رغم اختلاف توجهاتها، تدرك أن لا تسوية ممكنة فى الشرق الأوسط من دون مصر، ولا استقرار فى غزة دون علمها وموافقتها.
ويشهد ترامب خلال الزيارة التوقيع النهائى على اتفاقية وقف الحرب فى غزة ويجرى مباحثات مطولة مع الرئيس السيسى تتناول تثبيت وقف إطلاق النار، وإعادة إعمار غزة، وخريطة الطريق للمرحلة المقبلة التى تشمل ترتيبات أمنية وإنسانية تضمن عدم تجدد القتال.
منذ اليوم الأول للتصعيد، كان موقف القاهرة واضحاً: لا حل عسكرياً فى غزة، ولا مستقبل لأمن إسرائيل أو الفلسطينيين إلا بالسلام العادل.
ورغم الضغوط والتعقيدات، حافظت مصر على خيط التواصل مع جميع الأطراف، فكانت تنصت إلى مخاوف إسرائيل، وتفهم حسابات حماس، وتدير بحكمة توازنات عربية وإقليمية معقدة، فى وقت كان الجميع يراهن على الانفجار لا التهدئة.
لقد أعاد الرئيس السيسى عبر هذا الملف ترميم صورة الدبلوماسية المصرية التى طالما لعبت دور الوسيط النزيه، وأكد أن مصر لا تتحدث كثيراً لكنها تفعل كثيراً.
فى اللحظة التى يستعد فيها ترامب للهبوط فى مطار القاهرة الدولى، يدرك العالم أن مفتاح الشرق الأوسط لا يزال فى يد مصر، وأن كل طريق نحو حل حقيقى فى غزة، أو تهدئة فى لبنان، أو أمن فى البحر الأحمر، يمر عبر العاصمة التى لا تنام عن قضايا أمتها.
ومهما تعددت الأصوات والوسطاء، يبقى الثابت أن مصر حين تتكلم، يتغير مسار الأحداث، وحين تتحرك، تتوقف الحروب.
أما عبارة ويتكوف فستظل تتردد فى أروقة السياسة الدولية طويلاً: «لو لاكم، ما كنا وجدنا شيئاً».
كلمة صدق تختصر قصة أمة تقف دوماً على الجانب الصحيح وتحتفظ بتاريخ عظيم فى نصرة القضية الفلسطينية وتنال دائما ثقة الجميع.