نبض الكلمات
بالرغم من مرور أكثر من خمسين عاما على نصر أكتوبر المجيد فما زال فى ذكراها حضور يتحدى الزمن وكل زمن وكل العهود، فهى المعجزة العسكرية التى ما زال العالم فى السلم قبل الحرب يستمد منها روح العبقرية والصمود والثقة بالله، دروس وعبر لكل الأجيال انشودة الحب والسلام لتلاحم الشعب العظيم وجيشه، وتتجدد هذه الذكرى لتأكد أن الجيش المصرى هو رمانة الميزان لقوة الدولة، وأنه روح مصر على مدى الثورات العظيمة التى قام بها الشعب عبر تاريخه، معلنة عظمة هذا الشعب وقواته المسلحة... فلحظة العبور كانت القفزة الأولى فى طريق بلا نهاية ونقطة النهاية لتحديات كثيرة كادت ان تنذر بسقوط الأمة، ورغم مرور كل هذه الأعوام على نصر أكتوبر إلا أن ما حققه فيها الجيش المصرى ما زال موضع تقدير وتدريس فى الأكاديميات العسكرية العالمية، وعزف الجيش والشعب سيمفونية وطنية تدرس حتى الآن فى جامعات العالم ومحل اهتمام وتقدير الجنرالات والجيوش وكل ألوان الانظمة العسكرية... رحم الله الرئيس الراحل أنور السادات «الاسطورة» العسكرية الفذة والقيادة السياسية المحنكة التى امتلكت خبرة قراءة الموقف المحيط وملابسات تكنيك الحرب عن بعد وكافة الأطراف الأخرى بكل دقة وذكاء ودهاء الساسة، وما زال الجيش المصرى يسير على خطى الانتصارات فخر الجيوش العربية، يفيض عزة وشموخا.
٥٢ عاما مرت سريعاً على أعظم أيام المجد فى تاريخ الأمة ، يوم انتفض فيه المقاتل المصرى من تحت أنقاض الهزيمة ليكتب بدمه ملحمة الكرامة والعزة، يوم أذهل فيه العالم بعبور المستحيل وتحطيم خط بارليف الذى وصفوه يوماً بأنه لا يُقهر،لكن السؤال اليوم، بعد أكثر من خمسين عاماً: أين ذهبت روح أكتوبر؟ ونحن الذين صنعنا النصر، نسينا معانيه، نسينا أن أكتوبر لم يكن مجرد حرب، بل كان فكراً، وإرادة، ووحدة شعب وجيش ضد كل أشكال الاستسلام واليأس. فى أكتوبر لم ننتظر من يُعطينا أملاً، بل صنعناه بأنفسنا. أما اليوم، فننتظر المعجزات فى زمنٍ ماتت فيه الهمة، وضاعت فيه البوصلة بين الفساد واللامبالاة وتراجع القيم الوطنية وبرود الانتماء، فى أكتوبر، كان الجميع على قلب رجل واحد العامل فى المصنع، والفلاح فى الحقل، والطالب فى الجامعة، والجندى على الجبهة. واليوم تفرّق الجمع، صار كلٌّ يبحث عن خلاصه الفردي، وغابت فكرة الوطن الواحد الذى نحيا لأجله ونقاتل من أجله..كيف انتصرنا عام 1973 بإمكانات محدودة، ونهزم اليوم أمام أزماتنا الداخلية؟ وكيف عبرنا قناة السويس فى ساعات، ولا نعبر الآن فوق أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية؟..لقد فقدنا المعنى الحقيقى لـ«العبور»..عبور الذات قبل عبور الجغرافيا، إن روح أكتوبر ليست شعاراً نعلّقه كل عام، بل منهج حياة لو تذكرناه لاستطعنا عبور كل أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. النصر لا يورّث، بل يُصنع من جديد كل يوم بروح أكتوبر التى لم تمت، لكنها تنتظر من يوقظها من سباتها الطويل ، إننا بحاجة إلى استدعاء روح أكتوبر لا فى الأغانى والخطب، بل فى الضمير الوطنى والعمل الصادق والموقف الشجاع. فكما قال القائد الراحل أنور السادات: «إن الأمة التى لا تعرف كيف تحارب لا تعرف كيف تعيش.».فهل نُعيد للروح مجدها؟ أم نظل نحتفل بالنصر بينما نخسر معركة الوعى كل يوم؟.
فى حرب أكتوبر لم يكن هناك مكان للمنافقين ولا للمتاجرين بالشعارات. كانت الكلمة موقفًا، وكانت القيادة تسمع للجنود وتؤمن بهم ،استعادة روح أكتوبر تبدأ عندما نقول الحقيقة مهما كانت مُرة، ونعترف بأخطائنا بدلًا من دفنها تحت الرماد، فى أكتوبر انتصرنا لأن الشعب كله كان فى خندق واحد الجيش فى الجبهة، والشعب فى المصنع والمزرعة والمدرسة، أما اليوم، فقد فرّقونا طوائف وأحزابًا ومصالح ، لن تعود روح أكتوبر إلا عندما نعيد الثقة بين الشعب والدولة، ونكفّ عن تقسيم الناس إلى موالٍ ومعارض، غنى وفقير، ابن بلد وغريب، أكتوبر لم يُصنع فى خطابات ولا فى استعراضات، بل فى عرق وسهر وتخطيط وتضحية، استعادة الروح تعنى أن نعود إلى العمل الجاد، إلى العلم والإنتاج والانضباط والمسئولية، فمن لا يُنتج، لا يملك حق الاحتفال بنصرٍ صنعه رجال الإنتاج والكفاح.. فى أكتوبر كان الجندى من قرية نائية يقاتل بجانب ابن العاصمة، لا فرق بين أحدٍ وآخر إلا بالوطنية، أما اليوم، فغابت العدالة الاجتماعية، وتحول الوطن إلى درجات طبقية، لن تعود روح أكتوبر إلا عندما نعيد العدل إلى ساحات الوطن، والكرامة إلى المواطن البسيط ، بالإيمان والعقيدة، أكتوبر لم يكن فقط خطة عسكرية، بل كان إيمانًا بعدالة القضية، حين يؤمن المصرى من جديد بأن له دورًا وقدرة على التغيير، سيولد أكتوبر جديد عبور من اليأس إلى الأمل، ومن الفوضى إلى البناء.. فأين انتِ يا روووح أكتوبر.؟! عاش أبطال الكرامة عاش الجيش المصري، و تحية لرجال أكتوبر العظماء.
سكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية ورئيس لجنة المرأة بالقليوبية.
magda [email protected]