رادار
إن يوم السادس من أكتوبر ليس مجرد تاريخ فى دفتر الأيام– بل هو ملحمة نضالية ووطنية لا مثيل لها، لحظة استيقظت فيها الروح المصرية من تحت ركام الهزيمة لتعلن للعالم أن الكرامة لا تهزم، وأن من تربى فى حضن طمى هذا النيل لا يعرف الانكسار.. فى ذلك اليوم المجيد، لم تنتصر المدافع وحدها–بل انتصرت الإرادة، وارتفع صوت الإيمان فوق صوت الحديد والنار.. لقد كانت حرب السادس من أكتوبر ميلادًا جديدًا للأمة المصرية، توحدت فيه أطيافه، القائد والجيش والشعب فى معركة لم تخاض من أجل الأرض فحسب، بل من أجل معنى الوجود ذاته.. فى حياة مصر يظل السادس من أكتوبر لحظة تجاوزت حدود التاريخ لتصير معنى خالدا فى ضمير الأمة.
فى ذلك اليوم لم تنتصر مصر بالسلاح وحده، بل انتصرت بالإيمان والإرادة والعقل–حين التقت عبقرية القائد والزعيم محمد أنور السادات بروح الجندى المصرى الذى خلقه الله من الأزل للدفاع عن الأوطان.. فمنذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، ظل الجندى المصرى يحمل فى فطرته سر الخلود - فهو لا يرى فى الموت نهاية، بل عبورا إلى معنى أسمى وأبقى.. معنى التضحية من أجل البقاء.. فمنذ جيوش الفراعنة وحتى ميادين سيناء، كانت العقيدة واحدة–الدفاع عن الأرض شرف–والموت فى سبيلها حياة.. ذلك هو الجندى المصرى، ابن النيل والطين وتراب وأنفاس هذا الوطن الذى اتقن القتال كما أتقن الحكمة والصبر، ويؤمن أن الدفاع عن الوطن عبادة لا تنطفئ جذوتها.
وجاء أنور السادات ليعيد لتلك العقيدة وعيها ووجهها المشرق.. رجل أدرك أن النصر لا يستورد من الخارج، بل يولد من رحم الإرادة، وإيمان راسخ، فقد قرأ الواقع بعين القائد المؤمن بقدر وقيمة وطنه، ورسم خطته بذكاء الحكيم الذى يدرك أن المعركة ليست بين جيشين فقط، بل بين الإرادة واليأس، بين الكرامة والهزيمة.. فكان القائد الذى جمع بين دهاء السياسة–وجرأة المقاتل، فكان قراره العظيم بالحرب أعمق من مجرد تحريك قوات–بل كان تحريكا لروح أمة.. وانطلقت صيحة (الله أكبر) من الأفئدة قبل الألسنة–حينها–لم تكن مجرد نداء عسكرى بل صرخة وجود وإيمان راسخ وثورة وجود أيقظت مهابة التاريخ، لتشير بكل إنصاف إلى عبقرية وتضحية الجندى المصري–الذى حطم المستحيل ذاته، وحمل فى قلبه صورة أمه وفى عينيه خريطة وطن يستحق الحياة.. كانت الرمال تلتهب تحت قدميه، والرصاص يتساقط حوله كالمطر–لكنه كان يرى ما لا يرى، كان يرى النصر يتكون من بين الدخان هناك على الضفة الشرقية، وان الكرامة مداها هناك فى مسرى موسى وعيسى وشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم–وهنا تحولت المعاناة على يديه إلى مجد إنسانى خالد، وصارت الدماء مدادًا يكتب به المصريون سطور الحرية والكرامة، هكذا أرادها الله.
فلم تكن حرب أكتوبر مجرد استعادة لأرض غابت، بل كانت استعادة للروح التى لا تموت.. بعد أن أثبت المصريون أن الإيمان إذا سكن القلب، هزم الحديد والنار، وأن الأوطان لا تبنى بالشعارات–ولا بالهتافات ولا بالتفاهات–بل بتلك اللحظة التى يقف فيها الجندى أمام الموت مبتسمًا.. مؤمنًا بأن الأوطان لا تبنى إلا بالعطاء المخلص، فمنح الله مصر نصرها، ومنح التاريخ درسًا لا ينسى.
أيها الناس–سيظل جيش مصر–بعقيدته الراسخة هو الدرع الذى يحرس–والسيف الذى لا يصدأ، لأن هذا الجيش لم يخلق للغزو، بل خلق للدفاع عن الحق والكرامة.. هو جيش ولد من رحم التضحية–وتربى على الإيمان بأن من مات فى سبيل الوطن–لم يمت–بل صار جزءا من ترابه المقدس ونيله العظيم.. فتحيا مصر.. وتحيا أرواح أبطالها الذين أثبتوا أن المجد لا يورث، بل يصنع فى لحظة صدق بين الإنسان وربه ووطنه.. وسوف تظل مصر إنتصارا لا ينتهى ما بقيت الحياة على الارض
وللحديث بقية.. إن شاء الله تعالى.