فضل العدالة مع الآخرين في الإسلام

العدالة في الإسلام ليست مجرد قيمة أخلاقية، بل هي مشروع حضاري شامل يشكل أساسًا لبناء العلاقات بين البشر، بغض النظر عن اختلافاتهم في الدين أو المعتقدات.
توجيه للرسول صلى الله عليه وسلم للحكم بها جاء هذا في معرض العلاقات مع المخالف: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: 41، 42].
وفي العلاقات مع المخالف: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]. تؤكد هذه المضامين الأخلاقية عدالة الإسلام في التصور ونظرته إلى بناء العلاقة مع الآخر المخالف بحيث يجب بمنطق العدالة أن يعامل كل الناس بعدالة مهما اختلفوا في الدين والمعتقدات، وهذا ما يجعل مشروع الإسلام حضاريا في بنيته وتقبله للوفاء والعدالة بين بني البشر على حد سواء.
إن العدالة من منظور الإسلام مشروع حضاري ذو أبعاد أخلاقية وإنسانية، ولا يتحقق أو يقوم المشروع الحضاري لأي أمة إلا من منطلق العدالة التي خلقت الإنسانية لتحقيقها بين جميع أفراد مكوناتها البشرية، وهذا ما يصوّره القرآن الكريم في أسلوب أمميّ حضاري: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ الأعراف.
تقصد الآية الكريمة قيام العدالة وأنها من أهم ركائز التحضر والحضارة لأي مجتمع أو أمة تريد أن يكون لها مشروع ينافس في ميادين الحياة والعطاء، فالعدالة نماء وعطاء زاهر.
العدالة في الكلمة أو كلمة عادلة هي ما تشير إليه الدلالة النصية لهذا المقطع الذي يجعل كلمة عادلة ذات بعد تشريعي راق تحمل في طياتها جنينا من العدل: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ .
قول الحقيقة والبحث عنها وتحرّيها ليس فقط سمة للمصداقية والثقة بل أكثر من ذلك في نظر هذه الآية، ليكون وصية سماوية يجب القيام بها واتباعها، وهو ما تؤكده هذه المعاني القرآنية بوضوح لافت: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ .
ويضرب الله مثلا لمن يقيم صفة العدل مقارنا له بغيره ممن لا يقيم العدل: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
العدل من القيم التي تشترك في قبولها أغلب النفوس البشرية لما تحققه العدالة من الحرية والكرامة التي ينعم بها الجميع في ظل وجود العدالة الحقيقة، ولهذا كانت رسالة الإسلام رسالة عادلة في نظامها وتشريعها الذي جاءت به.