حضارة الأجداد بأنامل الأحفاد.. "تمثال الجيزة الجديد" يزين طريق المتحف المصري الكبير

"وقــف الخلــق ينظـرون جميعــًا.. كيف أبني قواعد المجد وحدي"، كلمات كتبها شاعر النيل حافظ إبراهيم، معبّرًا بها عن عظمة مصر وقوتها أمام العالم، لتشدُو بها كوكب الشرق أم كلثوم فتطرب بها شعوب العالم أجمع، وليس الشعب المصري فحسب، هكذا هو إبداع مصر وفنانوها في مختلف المجالات.
تلك الكلمات التي خرجت من قلبٍ فائضٍ بعشق المحروسة، ما أسرع ما تطرأ على الوجدان فور رؤية التصميم البديع الذي وُضع عند المدخل الشمالي لمحافظة الجيزة، وتحديدًا أمام بوابات طريق مصر – الإسكندرية، ذلك الطريق الممتد حتى المتحف المصري الكبير المنتظر افتتاحه مطلع شهر نوفمبر المقبل.
التمثال المستوحى من أهرامات الجيزة وطبيعة المحافظة التاريخية وحضارتها العريقة، يستقبل ويرحّب بالقادمين إلى المدينة الأثرية الخالدة التي تتميز بآثار الأجداد من قدماء المصريين، أصحاب الحضارة والبناء والتعمير والإبداع في شتى مجالات الفن والهندسة، وهكذا يجسّد التمثال إبداع الأحفاد الموروث عن الأجداد.

ويُعدّ التمثال الذي يجمع بين الفن المصري القديم والمعاصر جزءًا من الأعمال التي تُجهَّز وتعمل عليها محافظة الجيزة تحت رعاية مجلس الوزراء ضمن فعاليات افتتاح المتحف المصري الكبير.
ويعود هذا الإبداع والعمل الفني المُبهر إلى الدكتور ضياء عوض، أستاذ النحت بجامعة المنيا، فهو صاحب الفكرة والتصميم والتنفيذ البديع.
"حرصتُ على وضع دراسة دقيقة لمنطقة أهرامات الجيزة حتى يتناسب التمثال مع طبيعة المكان"، بهذه الكلمات استهلّ عوض حديثه لـ"الوفد"، مؤكّدًا أنه لم يجد أفضل من استلهام النحت المصري القديم وتقديمه بأسلوب حديث ومعاصر في تصميم الفكرة وتنفيذها، معتمدًا على ميوله للأسلوب الهندسي التجريدي في أعماله الفنية.
وقال أستاذ النحت بجامعة المنيا، إنه بعد دراسة المنطقة وطبيعتها الأثرية، وضع التصميم الذي نال إعجاب المسؤولين وحصل على جميع الموافقات قبل الشروع في التنفيذ، مؤكدًا أن التمثال عملٌ فني ضخم تطلّب جهدًا كبيرًا للخروج بهذا الإبداع بعد نحو ثمانية أشهر من العمل المتواصل.
ويبلغ طول التمثال حوالي 27 مترًا، منها 4 أمتار للقاعدة الرخامية، و23 مترًا لطول التمثال نفسه، وقد تم تنفيذه من مادة الحديد التي استُقرّ على اختيارها في النهاية، نظرًا لصعوبة استخدام خامات أخرى بسبب تكلفتها الباهظة، وهذا ما أكده الفنان ضياء عوض.

وأوضح النحات المبدع، أن التشكيل بالحديد أحد الأساليب المُتبعة في النحت، إذ يسهّل عملية التشكيل ويتيح تصميم أحجام كبيرة، بالإضافة إلى الاستعانة بالتكنولوجيا وماكينات الليزر في تشكيله عن طريق اللحام، وقد تم بالفعل اعتماد هذه التقنية في تنفيذ التمثال المبهر.
وشملت مراحل التنفيذ أيضًا معالجات كيميائية واستخدام دهانات "الإيبوكسي" لمقاومة عوامل الجو ومنع تعرّض التمثال للصدأ، إلى جانب منحه لونه النهائي.
وأضاف عوض، أن العمل على التمثال ما زال مستمرًا وفي مراحله النهائية، إذ يُجرى الآن تنفيذ القاعدة الرخامية، فضلًا عن التعاون مع شركة متخصصة لتصميم الإضاءات المحيطة بالتصميم، لاستكمال الشكل المبهر الذي سيظهر به خلال ساعات الليل.
واختتم أستاذ النحت بجامعة المنيا حديثه قائلًا: "التمثال نقلة نوعية وإضافة للهوية المصرية، وأنا سعيد بحالة الجدل والنقاش الفني التي أحدثها التصميم، إذ خلق العمل حراكًا ثقافيًا قويًا بين المهتمين والمختصين وأساتذة الفنون، بين مؤيد وآخر شبه مؤيد وأصحاب آراء مختلفة، وهذا هو المناخ الصحي الذي نحتاجه في المجتمع".

