رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري



 

تأتي قمة منظمة شنغهاي للتعاون اليوم في لحظة فارقة من عمر النظام الدولي، إذ لم تعد هذه القمة مجرد اجتماع إقليمي يناقش الأمن في آسيا الوسطى، بل تحولت إلى منصة تتحدى الهيمنة الغربية وتطرح ملامح نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

منذ تأسيسها عام ٢٠٠١، توسعت المنظمة لتضم قوى كبرى مثل الصين وروسيا والهند وباكستان، كما انضمت إليها إيران مؤخرًا بصفة عضو كامل، بينما تنتظر دول عربية مثل مصر والسعودية شراكات أعمق. هذا التوسع يعكس إدراكًا متزايدًا بأن العالم لم يعد يحتمل قيادة أحادية تفرضها واشنطن، وأن التوازن الدولي يحتاج إلى أطر بديلة تعكس تنوع المصالح والتحالفات الإقليمية والدولية.

في قلب القمة، برزت عدة محاور رئيسية: الأمن المشترك في مواجهة الإرهاب والنزاعات الحدودية، تعزيز التعاون الاقتصادي عبر مشاريع البنية التحتية والطاقة وربط الأسواق، وتنسيق المواقف السياسية في وجه العقوبات الغربية. وهنا تبرز مبادرة "الحزام والطريق" الصينية كمشروع تكاملي، تسعى من خلاله بكين إلى جعل آسيا الوسطى والشرق الأوسط عقدة محورية في التجارة العالمية، بعيدًا عن الممرات التقليدية الخاضعة للنفوذ الأميركي.

روسيا بدورها ترى في منظمة شنغهاي وسيلة لالتقاط أنفاسها في ظل العقوبات الغربية وحرب أوكرانيا، فالتكتل يمنحها منفذًا سياسيًا واقتصاديًا لكسر العزلة. أما الهند، فتحاول الموازنة بين شراكتها مع الولايات المتحدة وانخراطها في إطار آسيوي يمنحها وزناً إضافياً في التوازنات الإقليمية. وخاصة بعد فرض الولايات المتحدة رسوم جمركية عقابية على الهند وصلت إلى ٥٠٪ بسبب استمرارها في استيراد النفط من روسيا.

اللافت في هذه القمة هو الحضور المتنامي للقضايا الاقتصادية والمالية، حيث يُطرح بقوة موضوع التعامل بالعملات المحلية في التبادل التجاري لتقليص الاعتماد على الدولار. هذه الخطوة، إن تطورت، ستكون بداية فعلية لتحدي هيمنة العملة الأميركية، وتفتح الباب أمام نظام نقدي متعدد المراكز.

إن قمة شنغهاي بهذا المعنى ليست مجرد لقاء إقليمي، بل تعبير عن تحولات جذرية في النظام العالمي. فالعالم يتجه إلى تعددية قطبية، حيث لا تستطيع قوة واحدة فرض شروطها، بل تُبنى المعادلات على التوازن والتنافس والتعاون المتبادل. وإذا استمرت المنظمة في توسيع شراكاتها وتعميق تعاونها الاقتصادي والأمني، فإنها قد تشكل نواة لبديل واقعي للنظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب الباردة، وتؤسس لمرحلة عنوانها: شراكة الشرق في مواجهة انكفاء الغرب.

في النهاية، ترسم قمة شنغهاي معالم عالم جديد لا مكان فيه للهيمنة الأحادية. عالم تحاول فيه قوى آسيوية وأوراسية وعربية أن تؤسس لنظام أكثر عدلاً وتوازنًا، حيث تُوزع القوة والنفوذ بين مراكز متعددة، ويُعاد تشكيل قواعد اللعبة الدولية بما يتوافق مع واقع القرن الحادي والعشرين.