رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

خارج السطر

وجوه طفولية، تبتسم فى براءة، وتهش وتبش فى هدوء. لا يخامرنا أدنى خوف أن نلتقيها، فأصحابها مثلنا تماما لديهم حبيبات وأطفال وأسر يعودون إليهم فى المساء بفائض من المشاعر الطيبة المتدفقة بالرومانسية.

وهؤلاء هم بأنفسهم جنود إسرائيل الذين نراهم كل يوم يمارسون القتل بسادية، وشذوذ، وتشفِ عحيب. يطلق بعضهم الرصاص بدم بارد على الأطفال، ويرقص بعضهم مبتهجا فوق جثة مسن، ويتلذذ آخرون بقنص نساء جائعات باحثات عن قطعة خبز.

يستفزنا السؤال المُمنطق عن هول الانقلاب من خانة البشر إلى خانة الحيوانات. نتذكر بيت شعر رائعا للرائع صلاح عبد الصبور وهو يقول «فرؤوس الناس على جثث الحيوانات/ ورؤوس الحيوانات على جثث الناس/ فتحسس رأسك. تحسس رأسك». نستغرب ونتساءل هل يُحب السفاح؟ وكيف يعشق القاتل المتوحش؟ كيف يشعر بالحنان تجاه وليده؟ وكيف يسكنه العطف تجاه بشر؟ ما كل هذا التناقض؟ 

لكن المفكر الإنجليزى البارع كولن ويلسون يُخبرنا بأنه لا تناقض، فالإنسان أكثر وحشية من الحيوانات. يشرح الرجل فى كتابه الفذ «التاريخ الإجرامى للجنس البشري»، والذى ترجمه ببراعة رفعت السيد على، ونشره المركز القومى للترجمة مؤخرا أن البشر هُم الكائن الوحيد الذى يقتل بعضه بعضا، وأنه مهما تطور الإنسان وتحضر وتبدلت أحواله المعيشية، فإن الشر والقسوة فى داخله يغلبان الرحمة.

يشير ويلسون إلى صدمة العالم وحتى بعض الإسرائيليين من أن اليهود الذين كانوا ضحايا معسكرات الإبادة النازية هم الذين رتبوا المذابح للفلسطينيين. فالمشكلة هنا ليست مشكلة شر متأصل بقدر ما هى لامبالاة بالآخرين. فأغلب القتلة الجماعيين ومن ارتكبو مذابح تاريخية لم تكن لديهم مشاعر تجاه ضحاياهم مثل تلك الموجودة تجاه زوجاتهم وأبنائهم.

فى عام 1937 هاجم الجيش اليابانى قرية نانكنج لكنها قاومتهم لكنها فى النهاية سقطت. فقرر اليابانيون ارتكاب أبشع مجازر التاريخ، إذ جمعوا الرجال فى صفوف وأبادوهم بالرشاشات، ثُم مارسوا التعذيب ضد الأطفال والنساء على مدى شهرين كاملين. وفى مشهد دام حفظت لنا الصور الفوتوغرافية أرشيفا له، كوموا خمسين ألف جثة هرميا، وأشعلوا فيها النيران. كما قاموا باغتصاب عشرين ألف امرأة ثم بقروا بطونهن وانتزعوا أحشاءهن وهن أحياء. كان القادة يحمسون جنودهم بتعليق بعض المدنيين على الأعمدة وهم مكبلون ليصوب الجنود رماحهم تنافسا.

وفى عام 1944 حاصرت قوات هتلر قرية فرنسية تدعى أورادور سورجلان، قبل أن تدخلها عنوة. جمع الجنود الألمان كل سكان القرية وأمروهم التوجه إلى ساحة السوق، وفصلوا النساء والأطفال وأمروهم بدخول الكنيسة. بدا الجنود الألمان مرحين وهم يلهون مع الأطفال ويضحكون، ثُم مع إشارة من القائد فتحوا رشاشاتهم على الرجال فقتلوهم، وحبسوا النساء والأطفال فى الكنيسة وأحرقوها بكل مَن فيها. أوصد الجنود عقولهم واقع أن الضحايا نساء وأطفال وقاموا بأداء واجبهم الملتزمين به، وهو طاعة الأوامر.

يحلل ويلسون ما حدث بأن البشر لا يحتاجون إلى أيدولوجية شريرة أو سيئة لدفعهم إلى ارتكاب فعل غير إنسانى فهذه المشاعر تسيطر علينا بسهولة لأن كل منا يحيا فى حالة من الاهتمام بالذات تجعل الآخرين فى نظرنا غير حقيقيين.

لقد كان هتلر وستالين وموسولينى فى أوقات ما أشخاصا لطفاء عطوفين، لكن السلطة المطلقة التى حازوها ولَّدت قسوة لا متناهية. ولا شك أن الطاعة التى تولدت لهؤلاء وأمثالهم أزالت عن الإنسان أقنعة التحضر والمثالية، لينكشف الوجه الحقيقى للإنسان، ونتذكر أن مَن عاش فى بنى آدم، كان قابيل، القاتل، ونحن نسله. 

والله أعلم

[email protected]