كبسولة فلسفية
مصطلح "العدمية" (من اللاتينية nihil، بمعنى "لا شيء") ليس مصطلحًا محددًا بدقة. فالشخص قد يكون عدميًا تجاه أي شيء تقريبًا: على سبيل المثال، الفيلسوف الذي لا يؤمن بوجود المعرفة يمكن أن يُسمّى عدميًا إبستمولوجيًا، والملحد قد يُسمّى عدميًا دينيًا. العدمية، أكثر من كونها فلسفة، هي شعور – مثل القلق (angst)، الملل (ennui)، اليأس (despair)، التوتر (anxiety) – وما شابه ذلك. فلنتساءل هنا: ما علاقة نيتشه بالعدمية؟
قدم فريدريش نيتشه مفهوم العدمية في بدايات القرن العشرين من خلال عبارته الشهيرة: «لقد مات الإله». ورغم استمرار الجدل حول ما إذا كان نيتشه عدميًا فعلًا أم لا، إلا أنه يُذكر دائمًا عند الحديث عن هذا المفهوم. يرى نيتشه أن "الحقيقة" التي تناولها الفلاسفة الغربيون على مدى قرون قد لا تكون موجودة فعليًا. ففي مقدمة كتابه "إرادة القوة"، يشير نيتشه، من خلال النظر إلى الماضي والحاضر والمستقبل، إلى أن أوروبا تواجه تهديدًا أو احتمالًا للعدمية. وبالنسبة له، فإن العدمية هي ظاهرة حتمية، آتية لا محالة.
ويقول: "أنا معني بتاريخ القرنين القادمين. أصف ما هو قادم، ما لم يعد يمكن أن يحدث بطريقة مختلفة: تطور العدمية. وحتى هذا التاريخ مرتبط بالحاضر؛ فالضرورة هنا نفسها في العمل. هذا التاريخ يتحدث الآن عبر مئات العلامات، والمصير يُعلن نفسه في كل مكان".
ويصف نيتشه نفسه بأنه أول عدمي كامل في أوروبا، لأنه، حسب ادعائه، مر بكل هذا المسار العدمي وتجاوزه:
"على العكس، فإن من تكلم هنا لم يفعل شيئًا سوى التفكير العميق حتى الآن: بروح شجاعة وتجربة غامرة في متاهات المستقبل، وبروح الطائر العراف الذي ينظر إلى الوراء في علاقته بما هو قادم؛ ومع ذلك، اليوم، بعد أن اجتاز كل هذه العدمية ووصل إلى نهايتها، تاركًا إياها خارج ذاته، هو أول عدمي كامل في أوروبا؛ يجد فائدته في البقاء لنفسه، والوقوف بعيدًا، والصبر، والتأني، والبقاء خلف الآخرين، كفيلسوف ورائد بالحدس".
هدف نيتشه في إرادة القوة، كما هو موضح في العنوان الفرعي للكتاب، هو "إعادة تقييم القيم"، أو كما يقول جيل دولوز: "تغيير العنصر الذي تولد منه قيمة القيم". ستتجلى إعادة تقييم القيم في نهاية العدمية الكاملة، إذ تمثل العدمية الأزمة التي تمهّد لذلك. ويوضح نيتشه سبب قدوم العدمية بقوله:
"لأن القيم التي نمتلكها حتى اليوم قد حددت نتائجها النهائية؛ لأن العدمية تمثل النتيجة المنطقية لقيمنا العليا وأفكارنا المثالية – لأننا يجب أن نختبر العدمية قبل أن نفهم قيمة هذه 'القيم'. يومًا ما سنحتاج إلى قيم جديدة".
من الخطأ تفسير العدمية على أنها نتيجة لمشاكل نفسية أو اجتماعية حديثة. بالنسبة لنيتشه، هذه المشاكل ليست السبب، بل النتيجة. السبب الحقيقي يكمن في القيم المسيحية – الأخلاقية السائدة في أوروبا.
تبدأ العدمية لدى نيتشه عندما يتم احتقار بعض الأفعال والمشاعر واعتبار أخرى مقدسة وجيدة، فينشأ بذلك نظام قيمي. تأخذ البشرية هذا التصميم الأحادي للعالم كفكرة مثالية وعالم "حقيقي" أفلاطوني – مسيحي، وتضعه في إطار العدمية. بعبارة أخرى، تتوق البشرية إلى العدم، محتقرة وجودًا يتجاوز الخير والشر، أو ما يسميه نيتشه "براءة الوجود". ويصل بنا نيتشه إلى تعريف العدمية بأنها: "إسقاط أعلى القيم، فقدان الغاية، وعجز سؤال 'لماذا؟' عن إيجاد جواب".
وفي الختام، يمكننا تلخيص معنى العدمية في جملة واحدة: فهي ليست فلسفة على الإطلاق، بل إنكار للفلسفة، والمعرفة، وكل ما له قيمة، وحتى للوجود نفسه.
[email protected]