رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

 

يُعد بنيامين نتنياهو رجل الأزمات بامتياز. لم يكن يومًا رجل حلول، بل كان دائمًا ذلك السياسي الذي يتقن فن الهروب من مأزق إلى مأزق آخر، يمارس لعبة الزمن ويؤجل المواجهة، ويبني زعامته على إدارة الأزمات لا على إنهائها. طوال مسيرته السياسية التي امتدت لعقود، ظل نتنياهو يتقدم إلى الأمام كلما اشتدت الأزمات حوله، يفتعل اشتباكات جديدة، يفتح جبهات متعددة، ويصنع تهديدات متجددة تبقيه في المشهد بوصفه المُنقذ الذي لا بديل له.

منذ عودته إلى السلطة قبل سنوات، كانت ملامح هذه الاستراتيجية أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. حيث اختار التصعيد مع الفلسطينيين بدل التفاوض، وغذّى التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية رغم التحذيرات الدولية، وتحالف مع التيارات اليمينية المتطرفة التي دفعت إسرائيل إلى صراع داخلي عميق. لم تكن معاركه الأمنية سوى جزء من تكتيك مدروس للهروب من أزماته الشخصية، وعلى رأسها قضايا الفساد التي تلاحقه في المحاكم. كلما ضاق الخناق عليه في الداخل، كان يلجأ إلى التصعيد في غزة أو الضفة أو سوريا ولبنان واليمن، ومؤخرًا في إيران، محاولًا كسب التفاف شعبي مؤقت حوله بحجة حماية الأمن القومي.

في كل مرة واجه فيها احتجاجات داخلية، كما حدث في معركة إضعاف القضاء الإسرائيلي، لم يتراجع خطوة إلى الوراء، بل اختار الهروب إلى الأمام، وعوّض تراجعه الشعبي بزيادة التنسيق مع حلفائه في اليمين الديني المتطرف. هذه السياسة لم تكن بلا ثمن، بل ساهمت في تعميق الانقسام في المجتمع الإسرائيلي إلى حد يهدد بتفككه.

إن سياسة نتنياهو لم تُعر اهتمامًا حقيقيًا للمجتمع الدولي. بل إنه اعتمد على دعم غير مشروط من بعض الحلفاء، خاصة الولايات المتحدة، لكنه تجاهل أن المزاج السياسي في العالم يتغير. وتزايدت الضغوط الأوروبية على حكومته، وتصاعدت الأصوات داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي التي انتقدت علنًا السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، حتى تراجعت صورة إسرائيل في الغرب، وأصبحت الدولة التي كانت تدّعي أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، تواجه اتهامات بالتطرف، والعنصرية، والدموية، والوحشية.

إن ما يفعله نتنياهو ليس سوى كسبٍ للمزيد من الوقت. إذ أن كل خطوة يقوم بها، وكل تصعيد يدفع إليه، وكل تحالف يَعْقِدُه، يهدف إلى تأجيل لحظة الاصطدام مع الحقيقة. لكنه يتجاهل أن هذا المسار لن يستمر إلى الأبد. فالأزمات تتراكم، والانقسامات تتعمق، والثقة في المؤسسات تتآكل، والمجتمع الإسرائيلي ينزلق تدريجيًا نحو هاوية اجتماعية وسياسية قد تعصف به من الداخل.

في النهاية، قد تمنح نتنياهو سياسة الهروب إلى الأمام انتصارات مؤقتة لكنها لن تمنحه الخلاص. فالرجل الذي بنى كل مسيرته على تأجيل الحساب سيجد نفسه، عاجلًا أم آجلًا، أمام طريق مسدود، ومأزق لا مفر منه سوى مواجهة مصيرية قد تكتب الفصل الأخير لنهايته.