اتجـــــاه
بالضبط.. ما قاله رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عن أنه فى مهمة تاريخية وروحانية، وأنه مرتبط عاطفيا، برؤية «إسرائيل الكبرى»، وهى تخاريف ومحض خيال، حذرت منه فى مقال بعنوان: «إسرائيل الكبيرة..تقلع من سوريا!»، ونشر هنا، فى اليوم 26 يوليو الماضى.. قلت:
* ننظر لما يجرى فى سوريا، على أنه اقتتال طائفى، بين مكونات عربية مسلحة، يحسبها البعض على نظام «دمشق»، وبين المكون الدرزى، المدعوم علنا من إسرائيل، وهذا هو الظاهر لنا على الأرض، لكن الموضوع أكبر من مواجهات فى ساحات»السويداء» الحدودية، التى صارت ميدانا ومواقع، تتمترس فيها قوات من جيش الاحتلال، مزعومة بحماية الطائفة الدرزية، وهو غير صحيح على الإطلاق، ولا يبرر الاستهدافات اليومية، لكل البنى التحتية- مدنية وعسكرية- فى عموم الأراضى السورية، التى فى الأساس موجهة، أولا: ضد الرئيس السورى، أحمد الشرع، المصنف «إرهابيا»، أبومحمد الجولانى، وثانيا، ضد الحضور التركى هناك..فى سوريا.
* وحتى نفهم حقيقة ما يدور فى الخيال «الإسرائيلى»، وأيضا فى الخيال»التركى»، ربما تحدث عنه مؤخرا، الرئيس رجب طيب أردوجان، وهو يقول، بأن إسرائيل تواصل استفزازاتها، ولا تريد الاستقرار فى المنطقة، وتعتقد أنه ليس من مصلحتها، أن تكون سوريا موحدة، وهو كلام يعكس قلق «أنقرة»، التى تدعم «الشرع» بالسلاح والقواعد العسكرية، ويعكس حتى قلق-أردوجان- الشخصى، من خطر الفوضى العميقة، التى تعمل «تل أبيب» على إطلاقها، فى صورة حرب أهلية، تنتهى بإخراج تركيا من سوريا، باعتبار أن هذا التواجد لا يروق لإسرائيل، وهو الأمر الذى أكد عليه، المبعوث الأمريكى إلى سوريا، توم باراك، أن إسرائيل تفضل سوريا مجزأة، على دولة مركزية قوية، تسيطر على البلاد.
* ولئن تنجز إسرائيل المهمة، يدور التخطيط عبر جبهتين.. الأولى، بتحريض الدروز- فى الجنوب- ضد الدولة، والثانية، منع حزب العمال الكردستانى المناوئ لتركيا- فى الشمال- من نزع سلاحه، لتكون ضمانة تكتيكية، تمنع عن إسرائيل الهزيمة، فى صراع النفوذ مع تركيا، التى استبقت الهدف الإسرائيلى، بإرسال 2500 جندى، إلى أرض المعركة فى محافظة السويداء، التى هى معقل الطائفة الدرزية، وبالتالى تبدو المواجهة أقرب، ما بين قوات الجيش الإسرائيلى، وما بين فرقة الجنود الأتراك، ولكن دون التحام أو قتال تقليدى، بقدر ما يتبادل البلدان رسائل التهديد، وما قد تنتهى إليه من نتائج، ينبغى أن تكون بإرادة السوريين أنفسهم، إذا ما أجبروا قوات الطرفين على المغادرة.
* إن كنا نفهم ما يقلق الجانب التركى، بخصوص أمنها القومى، فى منطقة الحدود الجنوبية، يتوجب فى المقابل، أن ندرس ونتنبه جيدا، لنوايا إسرائيل داخل سوريا وخارجها، لأن أبعاد ما تفعله هناك، ليست سياسية وأمنية وحسب، لكنها لا تنفصل عن تصورات دينية وتاريخية، يتحدث بها اليهود «المتشددون»، عن «إسرائيل الكبرى» و«مملكة داوود»، وكلها ذات مفاهيم، تحمل الطابع الرمزى والدينى، التى توظفها الدولة العبرية، فى تبرير سياسات توسعية أو مشاريع إستيطانية فى فلسطين، وهكذا ترتبط فكرة «من النيل إلى الفرات»، بفهم تفسيرى لبعض النصوص الدينية، كما هو ثابت فى السرديات اليهودية، لتشمل فلسطين والأردن وسيناء وجنوب لبنان وأجزاء من سوريا.. إلى العراق.
* إذن.. يبقى مستقبل سوريا غامضا، أو ضبابيا فى أحسن الأحوال، مع غياب دور عربى فاعل، حتى بعد تقارب عواصم عربية مع «دمشق»، من دون استراتيجية واضحة، لإعادة سوريا إلى محيطها العربى، الأمر الذى قد يبقى سوريا مقسمة لفترات طويلة، وساحة لصراعات إقليمية، أكثرها خطرا وأثرا، ما تخطط له إسرائيل، لأن يقلع مشروع «الوعد الإلهى»، من سوريا إلى أرض «داوود»، وهو ما يفسر الإصرار اليهودى على البقاء فى سوريا، بحجة حماية الدروز، على الرغم إنه ادعاء خبيث، وراؤه انطلاق «إسرائيل الكبيرة»، الذى لا تتحدث به السياسة الإسرائيلية رسميا.. التصرف العاجل، أن تتوازى إرادة السوريين، مع موقف عربى قوى، يسقط المخطط اليهودى، ويعزز الأمن القومى العربى.. بإنقاذ سوريا.