رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

ما حدث في رمسيس مؤخرا من حريق ضخم أدى إلى انقطاع الاتصالات والإنترنت في مناطق واسعة، لم يكن مجرد حادث عابر أو خلل فني مؤقت، بل كان ناقوس خطر جديد يدق أبوابنا جميعا. 

لم يكن مجرد اختبار لشبكاتنا أو لمستوى تجهيزاتنا الفنية، بل كان اختبارا حقيقيا لقدرتنا كدولة ومجتمع على مواجهة الأزمات بروح التنظيم والانضباط والتخطيط السليم.

حين اشتعلت النيران وارتفعت سحب الدخان في قلب القاهرة، أدركنا جميعا أن الأمن لا يعني فقط وجود رجال الشرطة في الشوارع، ولا يعني فقط سرعة وصول سيارات الإطفاء أو الإسعاف.

بل يعني قبل كل شيء منظومة كاملة تعمل بتناغم وتنسيق بين كل أجهزة الدولة، الأمن الحقيقي هو أن تكون هناك خطط جاهزة وسيناريوهات مدروسة للتعامل مع كل طارئ، مهما بدا بسيطا أو بعيد الاحتمال.

انقطاع الاتصالات لم يؤثر فقط على خدمات الإنترنت أو المكالمات، لكنه أصاب المجتمع كله بالشلل المؤقت، أصبحنا فجأة بلا وسيلة للتواصل، بلا قدرة على متابعة الأخبار أو توجيه الجهود أو حتى طمأنة الناس. 

هذه اللحظات كشفت عن فجوة كبيرة في منظومة التنسيق بين الجهات المعنية، وأظهرت أننا بحاجة إلى مراجعة جذرية لطريقة تعاملنا مع الكوارث المفاجئة.

من المؤلم أن ننتظر وقوع الأزمة حتى نتحرك، وأن نظل أسرى لرد الفعل بدل أن نكون أصحاب الفعل، إن مواجهة الأزمات لا تبنى على الارتجال، بل على التخطيط المسبق والتعاون الحقيقي بين كل الأطراف. 

يجب أن تكون هناك غرفة عمليات مركزية تضم ممثلين عن الداخلية والدفاع المدني وشركات الاتصالات، تعمل على مدار الساعة، وتتحرك فور وقوع أي طارئ دون انتظار التعليمات.

وأنا حين أتحدث في هذا الشأن، لا أوجه اللوم بقدر ما أوجه نداء وطنيا صادقا، نداء لكل مسؤول ولكل مواطن بأن يدرك أن الوطن لا ينهض إلا بالعمل المنظم والتفاني والإخلاص، إن ما حدث في رمسيس يجب أن يكون درسا لنا جميعا، لا مناسبة للنقد فقط، بل حافزا للتطوير والتصحيح والتعلم.

لقد تعلمت منذ صغري، وأنا أنشأ في بيت تربى على قيم مدرسة الوفد، أن حب الوطن ليس شعارا نردده وقت الأزمات، بل هو سلوك يومي وإيمان عميق بأن تراب هذا البلد أغلى من أي شيء. 

تعلمت من زعماء الوفد وعظمائه أن الوطنية لا تقاس بالكلمات، بل بالأفعال، وبالقدرة على التضحية في سبيل الوطن، والعمل من أجل مصلحته مهما كانت التحديات. 

هؤلاء الرجال العظام غرسوا فينا معنى الانتماء الحقيقي، وجعلونا ندرك أن مصر لا يمكن أن تصان إلا بوحدة أبنائها، وبإيمانهم الراسخ أن الوطن أولا وأخيرا.

مدرسة الوفد بالنسبة لي لم تكن مجرد حزب سياسي، بل كانت مدرسة وطنية متكاملة تعلمنا فيها أن الكرامة الوطنية لا تتجزأ، وأن الدفاع عن المواطن البسيط جزء من الدفاع عن الوطن نفسه. 

لذلك حين أرى أزمة مثل أزمة الاتصالات في رمسيس، لا أنظر إليها فقط من زاوية الخلل الفني أو الإداري، بل أراها اختبارا حقيقيا لمدى انتمائنا الوطني، وقدرتنا على ترجمة حبنا لهذا البلد إلى عمل منظم وتعاون حقيقي بين مؤسسات الدولة والمواطنين.

إن مصر ليست مجرد حدود وجغرافيا، بل هي روح تسكن فينا، ومسؤولية نحملها جميعا، وحين نواجه أزمة، علينا أن نواجهها بروح الفريق الواحد، لا بروح إلقاء اللوم وتبادل الاتهامات. 

الداخلية والدفاع المدني والاتصالات وكل جهاز من أجهزة الدولة ليسوا جزرا منفصلة، بل جسد واحد، إذا تعطلت فيه خلية اهتز الكيان كله.

إن التخطيط المسبق والتدريب المستمر والتنسيق بين الأجهزة هي مفاتيح النجاح في مواجهة أي كارثة، علينا أن ندرب رجالنا وفرقنا الميدانية على التعامل مع الكوارث بطريقة علمية ومنظمة، وأن نضع في اعتبارنا دوما أن التكنولوجيا مهما تطورت قد تتعطل، لكن الإنسان الواعي المنظم لا يتعطل أبدا.

وأنا على يقين أن مصر قادرة على تجاوز أي أزمة، لأن تاريخها شاهد على ذلك، كم من المرات واجهنا الشدائد وخرجنا منها أكثر قوة وتماسكا! لكن التحدي الحقيقي اليوم ليس في تجاوز الأزمة فحسب، بل في التعلم منها، وتحويلها إلى فرصة لبناء منظومة أكثر كفاءة وانضباطا.

وأنا أكتب هذه الكلمات، لا أتحدث بصفتي مراقبا من بعيد، بل بصفتي ابن هذا الوطن الذي تربى على حب ترابه، والذي يؤمن أن مصر تستحق الأفضل دائما، فكل أزمة تمر بنا يجب أن تكون دافعا لبناء وطن أكثر أمنا وتنظيما، لا سببا لليأس أو الانقسام.

في النهاية، قد تحترق الأسلاك، وقد تنقطع الشبكات، لكن ما لا يجب أن ينقطع أبدا هو خيط الانتماء والمسؤولية الذي يربطنا جميعا بهذا الوطن العظيم. 

إن مصر التي علمتنا معنى الصمود قادرة دائما على النهوض، بشرط أن نواجه الكوارث بالعقل لا بالعشوائية، وبالتخطيط لا بالتسرع، وبحب الوطن لا بالأنانية.