صحفي الوفد بالمنيا يُشَارِكُ فِي وَرْشَةٍ إِعْلَامِيَّةٍ تُعَالِجُ قَضَايَا الْمَرْأَةِ

حينَ يَغْدو الطَّلاقُ هَمْسًا مُتَقَطِّعًا يَتَسَلَّلُ بَيْنَ جُدْرَانِ البُيُوتِ، لا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ سِوَى قُلُوبِ الأُمَّهَاتِ المَكْسُورَةِ، وَعُيُونِ الأَطْفَالِ الَّتِي تُفَتِّشُ عَنِ المِفْتَاحِ الغَائِبِ مِنْ بَابِ البَيْتِ… نُدْرِكُ حِينَهَا أَنَّ الطَّلاقَ لَمْ يَعُدْ مُجَرَّدَ قَرَارٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ، بَلْ صَدْعًا يُمَزِّقُ نَسِيجَ المُجْتَمَعِ بِأَكْمَلِهِ.
وَفِي ظِلِّ غِيَابِ قَانُونٍ يُضْبَطُ الإنْفِصَالُ، يَتَحَوَّلُ الطَّلاقُ إِلَى سِكِّينٍ بِلَا غِمْدٍ، وَجُرْحٍ مَفْتُوحٍ لَا يُعَالِجُهُ الزَّمَنُ، بَلْ يَزْدَادُ عُمْقًا مَعَ كُلِّ تَجَاهُلٍ. فَهَلْ نَتْرُكُ العَلَاقَاتِ تُخْتَزَلُ فِي صَرْخَةِ غَضَبٍ؟ أَمْ نَرْفَعُهَا إِلَى مَنْصَّةِ العَدَالَةِ، حَيْثُ الكَلِمَةُ تَقِفُ تَحْتَ سُلْطَةِ العَقْلِ وَالقَانُونِ؟
ضِمْنَ وَرْشَةٍ إِعْلَامِيَّةٍ نَظَّمَتْهَا مُؤَسَّسَةُ "قَضَايَا المَرْأَةِ المِصْرِيَّةِ"، تَحْتَ عُنْوَانِ تغطية قضايا الأحوال الشخصية من منظور نسوي ، بمشاركة نُخْبَةٌ مِنَ الإِعْلَامِيِّينَ وَالحُقُوقِيِّينَ مِنْ مُخْتَلِفِ المُحَافَظَاتِ (المِنْيَا، القَاهِرَةُ الكُبْرَى، الإِسْكَنْدَرِيَّةُ، قِنَا)، بمحافظة بورسعيد ، وذلك بِمُشَارَكَةِ مديرة المُؤَسِّسَةِ "جَوَاهِرُ طَاهِر"، وَالإسْتِشَارِيَّةِ فِي قَضَايَا النَّوْعِ الإجْتِمَاعِيِّ "هِنْدُ سَالِم". حيث ناقش أشرف كمال المادة السابعة "الطَّلاقُ بِيَدِ المَحْكَمَةِ" من قانون الأحوال الشخصية المقترح ، وَقَدْ مَثَّلَتْ هَذِهِ الوَرْشَةُ مَنْبَرًا مُهِمًّا لِتَدَاوُلِ مُقْتَرَحٍ قَانُونِيٍّ جَدِيدٍ يُعِيدُ تَعْرِيفَ الطَّلاقِ بِوَصْفِهِ إِجْرَاءً قَضَائِيًّا لَا لَفْظًا عَابِرًا.
وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، اوضح الصحفي أَشْرَفَ كَمَال، مدير مكتب جَرِيدَةِ الوَفْدِ بالمنيا ، وَأَحَدِ المُشَارِكِينَ الرَّئِيسِيِّينَ فِي هَذِهِ الوَرْشَةِ، في مداخلة لِشْرَحَ أَبْعَادَ هَذَا التَّعْدِيلِ القَانُونِيِّ، وَآثَارَهُ المُتَوَقَّعَةَ عَلَى الأُسْرَةِ وَالمُجْتَمَعِ. موضحا أن هٰذِهِ المادَّةُ "الطَّلاقُ بِيَدِ المَحْكَمَةِ" تُعَدُّ مُنْعَطَفًا قَانُونِيًّا وَفَلْسَفِيًّا هَامًّا فِي تَارِيخِ التَّشْرِيعِ الأُسَرِيِّ الْمِصْرِيِّ ، لِأَنَّهَا تُجَرِّدُ الطَّلَاقَ مِنْ عَشْوَائِيَّتِهِ، وَتَمْنَحُهُ شَكْلَهُ الْحَقِيقِيَّ: إِجْرَاءٌ قَانُونِيٌّ، لَا فَوْرَةُ غَضَبٍ. لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، تُعَامَلُ نِهَايَةُ الزَّوَاجِ بِقَدْرٍ مِنَ الْجِدِّيَّةِ يُوَازِي بَدَايَتَهُ. هٰذِهِ الْمَادَّةُ لَا تَهْدِفُ إِلَى تَعْقِيدِ الِانْفِصَالِ، بَلْ إِلَى تَقْنِينِهِ، لِحِمَايَةِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَتَحْصِينِ الْأُسْرَةِ مِنَ الْعَبَثِ الْعَاطِفِيِّ.
لافتا كمال ، أن المادَّةُ وَمَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ إِجْرَاءَاتٍ وَضَمَانَاتٍ لِلْعَدَالَةِ ، تُلْزِمُ الطَّرَفَ الرَّاغِبَ بِالطَّلَاقِ – سَوَاءً كَانَ الزَّوْجَ أَوِ الزَّوْجَةَ – بِتَقْدِيمِ طَلَبٍ رَسْمِيٍّ للمحكمة مُعَلَّلٍ بِالْأَسْبَابِ. تُحَالُ الْقَضِيَّةُ إِلَى لَجْنَةِ إِصْلَاحٍ أُسَرِيٍّ، فَإِنْ فَشِلَتْ، يُصْدِرُ الْحُكْمُ الْقَضَائِيُّ بِالطَّلَاقِ. الْمَرْأَةُ تُمْنَحُ كَافَّةَ حُقُوقِهَا الشَّرْعِيَّةِ مِنْ عِدَّةٍ، وَمُتْعَةٍ، وَنَفَقَةٍ، وَمُؤَخَّرٍ. وَإِذَا اخْتَارَتِ الْمَرْأَةُ الطَّلَاقَ دُونَ مُبَرِّرَاتٍ قَانُونِيَّةٍ، فَالتَّنَازُلُ عَنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ يَكُونُ مَشْرُوطًا. نَحْنُ أَمَامَ هَنْدَسَةٍ قَانُونِيَّةٍ دَقِيقَةٍ، لَا تَقْبَلُ الْغُمُوضَ ، والْمَادَّةُ تُنْهِي زَمَنَ "الطَّلَاقِ كَكَلِمَةٍ". لَا يُعْتَدُّ بِأَيِّ طَلَاقٍ لَا يَصْدُرُ عَنْ مَحْكَمَةٍ مُخْتَصَّةٍ. نَحْنُ نَقْطَعُ الطَّرِيقَ أَمَامَ كَوَارِثِ التَّوْثِيقِ الْمُتَأَخِّرِ، وَحَالَاتِ الزَّوَاجِ الثَّانِي غَيْرِ الْمَشْرُوعِ، وَالنِّسَاءِ الْمُعَلَّقَاتِ قَانُونِيًّا بَيْنَ زَوْجَيْنِ. إِنَّهَا لَيْسَتْ مَادَّةً، بَلْ صِمَامُ أَمَانٍ لِلْأُسْرَةِ.
مضيفا كمال ، أن المادَّةُ نَعُودُ إِلَى لُبِّ الشَّرِيعَةِ. الزَّوَاجُ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِعَقْدٍ وَشُهُودٍ وَإِشْهَارٍ، فَكَيْفَ نَفْصِمُهُ بِجُمْلَةٍ طَائِشَةٍ؟ الْفِقْهُ الْإِسْلَامِيُّ الْمَتِينُ لَا يَقِفُ عِنْدَ الْمَوْرُوثِ، بَلْ يَتَحَرَّكُ بِرُوحِ الْمَقَاصِدِ: حِفْظُ النَّفْسِ، وَالنَّسَبِ، وَالْحُقُوقِ. الطَّلَاقُ قَضِيَّةُ دَمٍ وَنَسَبٍ لَا تُتْرَكُ لِلتَّسَرُّعِ، وأن الْمَادَّةُ 5 مُكَرَّر مِنْ قَانُونِ 25 لِسَنَةِ 1929 تَنْصُّ عَلَى ذٰلِكَ ، وَلَكِنِ الْوَاقِعُ يَقُولُ: التَّوْثِيقُ لَا يَتِمُّ غَالِبًا، وَالنَّتِيجَةُ فَوْضَى. الْمَرْأَةُ تُفَاجَأُ بِأَنَّهَا لَا تَزَالُ قَانُونِيًّا زَوْجَةً، رَغْمَ أَنَّهَا انْفَصَلَتْ فِعْلِيًّا مُنْذُ سَنَوَاتٍ. نَحْنُ لَا نُعَدِّلُ الْقَانُونَ لِمُجَرَّدِ التَّحْدِيثِ، بَلْ لِسَدِّ ثَغَرَاتٍ بَاتَتْ تُهَدِّدُ بُنْيَانَ الْعَدَالَةِ.
مشيدا كمال ، بتَفَاعُلُ الْإِعْلَامِيِّينَ خلال الورشة والذي فَاقَ التَّوَقُّعَاتِ ، شَهِدْنَا نِقَاشَاتٍ مِنَ الْقَاهِرَةِ إِلَى قِنَا، مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى الْمِنْيَا. الْإِعْلَامِيُّونَ لَمَسُوا الْمُعَانَاةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِلنِّسَاءِ فِي مُجْتَمَعٍ مَا زَالَ يُسِيءُ فَهْمَ الطَّلَاقِ، وَيَرْبِطُهُ بِالْعَارِ أَوْ بِالْعَبَثِ. الْمَادَّةُ كَانَتْ بِمَثَابَةِ صَوْتٍ لِلْمَرْأَةِ الصَّامِتَةِ، وَقَانُونٍ لِلْحَقِّ الْغَائِبِ ، وأن الْمَادَّةُ رُفِعَتْ رَسْمِيًّا ضمن عدة مواد لمشروع قانون الأحوال الشخصية المقترح لِلجهات التشريعية المعنية ، مُرْفَقَةً بِمُذَكِّرَةٍ قَانُونِيَّةٍ مُتَكَامِلَةٍ. وهُنَاكَ نِيَّةٌ جَادَّةٌ لِإِدْرَاجِ مواد مقترح قانون الأحوال الشخصية الجديد عَلَى جَدْوَلِ أَعْمَالِ لِجَانِ التَّشْرِيعِ وَالْأُسْرَةِ. نَحْنُ لَا نُقَدِّمُ تَرَفًا قَانُونِيًّا، بَلْ ضَرُورَةً إِنْسَانِيَّةً، وَقَانُونًا يَنْتَصِرُ لِلنِّظَامِ فِي وَجْهِ الْفَوْضَى.
منوها كمال ، أن الزَّوَاجُ تَعَاقُدٌ إِنْسَانِيٌّ مُقَدَّسٌ، وَالطَّلَاقُ لَيْسَ نَقِيضَهُ بَلْ مَخْرَجُهُ الشَّرِيفُ حِينَ يَغْدُو الِاسْتِمْرَارُ مُسْتَحِيلًا. وَلٰكِنِ الشَّرَفُ لَا يَقُومُ عَلَى الْفَوْضَى. لَا حُرِّيَّةَ فِي الطَّلَاقِ الْعَشْوَائِيِّ، وَلَا كَرَامَةَ فِي الِانْفِصَالِ الْغَامِضِ. الْمَادَّةُ لَا تُعَادِي الرَّجُلَ، بَلْ تُحَاصِرُ الْفَوْضَى، وَتُعَلِّي مِنْ قِيمَةِ الْقَانُونِ، وَتَمْنَحُ الْأُسْرَةَ فُرْصَةً أَخِيرَةً لِلنَّجَاةِ. حيث نَصُّ الْمَادَّةِ الْمُقْتَرَحَةِ: "الطَّلَاقُ بِيدِ الْمَحْكَمَةِ":
و"لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إِلَّا بِحُكْمٍ قَضَائِيٍّ صَادِرٍ عَنِ الْمَحْكَمَةِ الْمُخْتَصَّةِ، بِنَاءً عَلَى طَلَبٍ مَكْتُوبٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، يُرْفَقُ فِيهِ أَسْبَابُهُ.تُحَالُ الْقَضِيَّةُ إِلْزَامِيًّا إِلَى لَجْنَةِ إِصْلَاحٍ أُسَرِيٍّ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِصْلَاحُ، يُصْدِرُ الْحُكْمَ بِالطَّلَاقِ، مَعَ الْحِفَاظِ عَلَى حُقُوقِ الزَّوْجَةِ كَافَّةً (الْعِدَّةُ، النَّفَقَةُ، الْمُؤَخَّرُ، الْمُتْعَةُ) أَوِ التَّنَازُلِ عَنْهَا إِذَا كَانَتْ طَالِبَةَ الطَّلَاقِ دُونَ أَسْبَابٍ مَشْرُوعَةٍ.يُحْظَرُ الطَّلَاقُ الشَّفَهِيُّ مَنْعًا بَاتًّا، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ زَوَاجٍ جَدِيدٍ قَبْلَ صُدُورِ الْحُكْمِ الْقَضَائِيِّ وَإِنْهَاءِ الْإِجْرَاءَاتِ رَسْمِيًّا.
وخِتَامًا، حِينَ يُصْبِحُ الطَّلَاقُ قَانُونًا، لَا نَزْوَةً؛ قَرَارًا، لَا انْفِعَالًا؛ عَدَالَةً، لَا عَبَثً ، نَكُونُ قَدْ خَطَوْنَا خُطْوَةً عَظِيمَةً فِي إِنْقَاذِ الْأُسَرِ مِنَ الِانْهِيَارِ الْبَطِيءِ.


