رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

«بعد قرن» .. «حمى الذهب» لتشارلى تشابلن يعود بنسخة مرمّمة

بوابة الوفد الإلكترونية

يعود فيلم «حمى الذهب» أحد أبرز كلاسيكيات السينما العالمية وأهم أعمال النجم والمخرج العالمى تشارلى تشابلن، إلى الواجهة بعد مرور نحو قرن على عرضه الأول. 
الفيلم من العلامات الفارقة فى تاريخ السينما الصامتة، وتم ترميمه مؤخراً بدقة 4K، ليُعرض مجدداً أمام الجمهور بطريقة بصرية وصوتية جديدة كليًا، تسمح لأجيال الحاضر بتقدير عبقرية «تشابلن» بروحٍ معاصرة.
ويُعد «حمى الذهب» الفيلم الأقرب إلى قلب «تشابلن»، حيث صرّح فى مناسبات عدّة أن هذا هو الفيلم الذى كان يرغب أن يتذكره الناس به، وهو ما يبرّر اهتمامه الكبير به وإصراره على تطويره أكثر من مرة. 
صدر الفيلم أول مرة عام 1925 بنسخته الصامتة، ثم أعيد طرحه عام 1942 بنسخة ناطقة أضاف إليها «تشابلن» بنفسه تعليقًا صوتيًا وموسيقى تصويرية جديدة من تأليفه، ليعيد صياغة الفيلم برؤية أكثر نضجًا تواكب المتغيرات السينمائية والاجتماعية آنذاك.
أُنجزت أعمال الترميم الجديدة للفيلم فى مؤسسة سينمائية إيطالية بالتعاون مع جهات متخصصة، حيث تم العمل على استعادة جودة الصورة إلى أقصى حد باستخدام تقنيات رقمية متطورة، أبرزها تقنية 4K، مما سمح بإحياء التفاصيل البصرية الدقيقة التى تميزت بها لقطات «تشابلن»، كما قال أحد القائمين على عملية الترميم إن المشروع ليس مجرد تحسين تقنى، بل هو «استعادة للروح الأصلية للفيلم»، مؤكداً أن هذه الأعمال تحترم الشكل الفنى الذى أراده «تشابلن» فى نسخته الأصلية.
وبدأ العمل على أفلام «تشابلن» منذ نحو 30 عاماً، فى محاولة لصون إرث سينمائى صنع ثقافة كاملة وغرس فى ذاكرة الأجيال مشاهد ما تزال تبعث على الضحك بعد مرور قرن.
ويُمثّل الفيلم حالة نادرة فى تاريخ السينما، ليس فقط لأنه أُنتج بنسختين تفصل بينهما 17 عامًا، بل لأن «تشابلن» أعاد بنفسه إنتاجه. 
ففى عام 1942، قرر المخرج إعادة تحرير الفيلم، مع حذف بعض المشاهد وإعادة ترتيب أخرى، لتخرج النسخة الجديدة بمدة أقصر بـ16 دقيقة مقارنة بالأصلية، وبموسيقى مختلفة وتعليق صوتى من «تشابلن» خارج الشاشة.
وكان القرار بإعادة الإنتاج مدفوعًا بعدة عوامل، منها رغبة «تشابلن» فى تكييف الفيلم مع تطور الذوق العام، خاصةً فى زمن الحرب، إضافةً إلى رغبته فى إبراز الرسالة الإنسانية للفيلم بشكل أوضح من خلال وسائط الصوت والموسيقى. 
ورغم أن هذه النسخة الناطقة لاقت إعجابًا كبيرًا لدى البعض، فإن جمهورًا واسعًا ما زال يفضّل النسخة الأصلية الصامتة، لما تحمله من عفوية وسحر خاص يعكس روح الحقبة التى صُنعت فيها.
ويذكر أن «تشابلن» أمر بإتلاف جميع النسخ المتبقية من إصدار عام 1925 بعد إنتاج نسخته الجديدة، حيث كان يرى أن الإصدار الجديد يمثله بصورة أفضل، وتم توكيل محامين لملاحقة أى نسخة متبقية بهدف سحبها من التداول، بحسب ما ذكره أحد المسئولين عن مكتب إدارة حقوق أعمال «تشابلن».
وعلى الرغم من ذلك إلا أن النسخة الأصلية لم تختف تمامًا، فقد بقيت بعض البكرات النادرة فى أرشيفات خاصة، وبدأ الاهتمام باستعادتها فى ثمانينيات القرن الماضى، حين قام مؤرخا السينما «كيفن براونلو» و«ديفيد جيل» بجهود بحث مضنية عن الأجزاء المفقودة. 
وأسهم العثور على نسخة قديمة من الفيلم فى اليابان فى إنعاش المشروع، حيث تم دمج ما تم العثور عليه مع عناصر النسخة الثانية، وهو ما مهّد الطريق لترميم النسخة الصامتة الأصلية.
وفى العصر الرقمى، بات من الممكن معالجة الصور والفيديوهات القديمة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى، حيث تُستخدم خوارزميات متقدمة لإزالة الضبابية وتحسين التفاصيل البصرية، وقد استُخدمت بعض هذه الأدوات فى عملية ترميم الفيلم مؤخرًا. 
وعلّقت إحدى المشاركات فى المشروع على أن ما ساعد فى حفظ الفيلم لم يكن فقط التكنولوجيا، بل أيضاً «التمرد» الذى مارسه العاملون فى السينما، ممن احتفظوا بنسخ قديمة «سرًّا» بالرغم من الأوامر بحذفها.
هذا النوع من «القرصنة المُحبّة» كما وُصف، هو ما مكّن الجهات المختصة لاحقًا من إعادة إحياء الفيلم بشكل شبه كامل، ليكون متاحًا للأجيال الجديدة بجودة تقارب التجربة الأصلية، إن لم تكن تتفوق عليها تقنيًا.
عُرض الفيلم المرمم مؤخرًا فى مدينة بولونيا الإيطالية ضمن مهرجان سينمائى محلى، لكن لم يُعلن بعد عن جدول رسمى لعرضه فى دور سينما أخرى سواء داخل إيطاليا أو خارجها.
لا تزال أفلام تشارلى تشابلن تثير الإعجاب والضحك بعد مرور قرن على إنتاجها، وربما تكمن قوتها فى أنها لم تكن مجرد أعمال للترفيه، بل كانت انعكاساً عميقًا للواقع الإنسانى، بعيوبه وجماله وأحلامه البسيطة. 
فيلم «حمى الذهب» هو واحد من تلك الأعمال التى جمعت بين العبث والكوميديا والبؤس فى آن واحد، ليقدّم عبر قصة رجل جائع فى أرض الذهب درسًا خالدًا فى الصبر والكرامة والخيال.