الشعر يُترجم ليبني جسور الوعي بين الثقافات
مصر تُطلق النسخة العربية من "النهر المحترق" ضمن مشاركتها ضيف شرف بكراكاس الدولي للكتاب

في أمسية استثنائية جمعت بين الشعر والسياسة والثقافة، شهدت المنصة الرئيسية لمعرض كراكاس الدولي للكتاب، مساء أمس، جلسة نقدية وقراءة شعرية لتقديم الترجمة العربية لديوان "النهر المحترق" للشاعر الفنزويلي البارز خورخي رودريغيث، ضمن فعاليات مشاركة جمهورية مصر العربية ضيفَ شرفٍ في الدورة الحالية للمعرض.

ويحمل خورخي رودريغيث، رئيس البرلمان الفنزويلي، بين دفتي تجربته الشخصية صفتين متقاطعتين: السياسي والمثقف، ليُقدَّم في هذا العمل بوصفه شاعرًا وصاحب رؤية إنسانية عميقة، وصوتًا أدبيًا لافتًا في المشهد اللاتيني المعاصر.
الترجمة العربية للديوان جاءت بجهد الدكتور خالد سالم، أستاذ الأدب الإسباني والمترجم المعروف، وبدعم من الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، في خطوة تعكس رؤية ثقافية مصرية تؤمن بأن الترجمة ليست مجرد نقل لغوي، بل هي فعل تواصل حضاري وفني، يفتح نوافذ الفهم الإنساني بين الشعوب.
وقد أدار الجلسة الكاتب والصحفي الفنزويلي خيسوس إرنستو بارا، أحد أبرز الأسماء الشابة في الصحافة الثقافية، ومؤسس مجلات أدبية مستقلة تسهم في تشكيل المشهد الأدبي الجديد في فنزويلا.
وانطلقت النقاشات من سؤال مركزي: لماذا نترجم الشعر؟ في زمن تتصدر فيه الرواية قوائم النشر والترجمة حول العالم. وكانت الإجابة أن الشعر، رغم خصوصيته اللغوية، يظل التعبير الأصدق عن جوهر الإنسان، عن هشاشته وتوقه للمعنى، وأن ترجمته فعل اقتحام لروح الآخر لا لحكايته فقط.
وخلال مداخلته، استعرض الدكتور خالد سالم التحديات الجمالية والثقافية التي واجهها أثناء الترجمة، مشيرًا إلى أهمية الحفاظ على النبرة الشعورية والعمق المجازي للنص الأصلي، بما يضمن نقله إلى اللغة العربية دون فقدان روحه.

من ناحيته، أكد الدكتور أحمد بهي الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن الترجمة تمثل خيارًا استراتيجيًا لا ترفًا ثقافيًا، وأن الانفتاح على شعر الآخر هو استعادة لجوهر الشعر العربي، الذي لم ينفصل يومًا عن الضمير الجمعي للأمة، بل كان لقرون نافذتها الواسعة على العالم.

وشهدت الأمسية حضورًا رسميًا وثقافيًا مميزًا، في مقدّمته السفير المصري لدى فنزويلا كريم أمين، إلى جانب عدد من المسؤولين الفنزويليين والمثقفين والمترجمين والصحفيين، ما حول الجلسة إلى مساحة تفاعلية للحوار والتبادل الثقافي العميق.
وتأتي هذه الفعالية في إطار برنامج ثري أعدته وزارة الثقافة المصرية للمشاركة كضيف شرف في معرض كراكاس، يتضمن سلسلة من الندوات والعروض الفنية والموسيقية ولقاءات التبادل الأدبي، بما يعكس الحضور المصري الفاعل في المشهد الثقافي الدولي.
"النهر المحترق" لم يكن مجرد ديوان شعر في أمسية، بل كان جسرًا عبَر عليه وجدان فنزويلي إلى قارئ عربي، ليؤكد مجددًا أن الشعر، حين يُترجم بمحبة ووعي، لا يفقد لغته بل يستعيدها في مرآة الآخر.

