خارج المقصورة
لم يعد هناك بيت فى مصر إلا ومرّ أحد أفراده بتجربة «المستريح»، ذلك الوهم المتقن الذى يتغذّى على أحلام الناس بالثراء السريع، فيبيع لهم السراب على أنه ذهب، ويقنعهم بأن المال يمكن أن يتكاثر بلا جهد ولا تخطيط.. لكن الحقيقة أن القوة الحقيقية لهؤلاء النصابين لا تكمن فى ذكائهم، بل فى غفلة ضحاياهم عن الطريق الصحيح لاستثمار أموالهم.
بالأمس القريب فى إحدى محطات مترو الأنفاق، شدّ انتباهى إعلان صوتى يقطع صخب الزحام، يحمل رسالة صريحة: «احذر فخ المستريحين، وتَحقَّق دائمًا من مصادر استثمارك عبر الرقابة المالية».
كان الصوت مختلفًا.. فيه وعى ومسئولية، وفيه دعوة واضحة لأن يعرف الناس طريق الاستثمار الآمن، وأن يدركوا أن الرقابة المالية ليست بعيدة عنهم، بل هى المرجع الأمين لكل من يبحث عن طريق مشروع.
شعرت وقتها بالفخر، بل بالطمأنينة، فها نحن نعيش مرحلة أصبح فيها صوت «الوعى المالى» حاضرًا فى تفاصيل الحياة اليومية، يصل إلى المواطن فى المترو، وفى المدرسة، وفى الجامعة. إنها نقلة نوعية لم تأتِ صدفة، بل تقف خلفها قيادة واعية وجهد استثنائى يقوده الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، ومعه فريق عمل محترف يتقدمه محمد عبد العزيز، مساعد رئيس الهيئة.
من يتأمل ما يجرى يكتشف أن الرقابة المالية وضعت التثقيف المالى فى قلب استراتيجيتها، إيمانًا بأن المواطن الواعى هو خط الدفاع الأول ضد كل أشكال الاحتيال، وأن نشر الثقافة المالية هو الطريق لبناء اقتصاد مستدام ومجتمع أكثر استقرارًا.
ومن هذا الإيمان انطلقت الهيئة فى برامج توعية وتدريب تستهدف الشباب والطلاب، فتمدّهم بالمعرفة العملية والمهارات الحقيقية فى مجالات المال والتأمين والتمويل والتكنولوجيا المالية.. لم تتوقف عند ذلك، بل مدت جسور التعاون مع الوزارات والمؤسسات الوطنية، وكانت البداية مع وزارة الشباب والرياضة.
وبلغة الأرقام: بلغ عدد مدربى التوعية المالية المعتمدين (CFAT) حتى أغسطس 2025 نحو 247 مدربًا، فيما تجاوز عدد المستفيدين من البرامج والمحاضرات 25 ألف مواطن من مختلف المحافظات والفئات.
كما نظّمت الهيئة أكثر من 150 فعالية تدريبية وتوعوية بالتعاون مع خمس وزارات وهيئات وطنية - من التعليم إلى الكهرباء، مرورًا بمبادرة «رواد النيل» التابعة للبنك المركزى المصرى.. وقد أثمرت هذه الجهود عن رفع مستوى الوعى المالى لدى الشباب، وغرس ثقافة الاستثمار الواعى والمسؤول، بما ينسجم مع توجه الدولة لتمكين جيل جديد من المستثمرين المستنيرين.
< يا سادة.. حين تمتد جهود الهيئة لتصل إلى طلاب المدارس الإعدادية والثانوية، وحين تُطلق منصة رقمية تفاعلية مثل «iInvest» لتبسيط المفاهيم المالية للأجيال القادمة، فإننا لا نتحدث عن حملة توعية فقط، بل عن ثورة فكرية فى الوعى المالى، تؤسس لمستقبل أكثر استقرارًا وعدالة فى توزيع الفرص.