في جنازة مهيبة
«عروس العلم» ضحية لقمة العيش.. الشرقية تودع طالبة التجارة المتفوقة

شيّع أهالي مركز مشتول السوق بمحافظة الشرقية، منذ قليل الإثنين، جثمان الطالبة الجامعية «فاطمة أحمد يونس» بالفرقة الأولى بكلية التجارة جامعة الزقازيق، والتي لقيت مصرعها إثر حادث مأساوي أثناء عودتها من عملها بأحد مصانع تعبئة الخضار والفاكهة بمدينة العبور، ضمن قافلة من فتيات وأبناء الطبقة الكادحة الباحثين عن قوت يومهم في ظروف قاسية لا ترحم.
فاطمة، التي لم تتجاوز العشرين من عمرها، كانت مثالاً للفتاة المصرية المكافحة، اجتهدت في دراستها، وتفوقت حتى حجزت لنفسها مكانًا بين أوائل دفعتها.
قبل أيام قليلة فقط، تم تكريمها رسميًا في كليتها وسط فرحة عارمة من أسرتها وزملائها، إلا أن حلمها الكبير بالنجاح والاعتماد على الذات لم يكتمل، بعدما داهمها القدر، مساء أمس الأحد، في حادث سير مروع على طريق «بلبيس – مسطرد» أمام قرية المنير، أثناء استقلالها سيارة ربع نقل تقل عددًا من العاملات في أعمال يومية.
ووسط أجواء من الحزن الصادق والدموع التي لم تجف، أُديت صلاة الجنازة على روح الطالبة الراحلة بمسجد "الصيمة" في المدينة، حيث توافد الأهالي من مختلف الأعمار لتوديعها إلى مثواها الأخير، حاملين نعشها على الأكتاف وسط حالة من الانهيار والبكاء من قبل أهلها وأصدقائها الذين لم يتخيلوا أن يتلقوا خبر رحيلها بهذه السرعة والفظاعة.
يقول والدها، موظف بالطب البيطري ويعاني من إعاقة حركية: "فاطمة كانت عمري وسندي، كانت تسعى لمساعدتي وتخفيف أعباء الحياة عن كاهلي، لم تكن مجرد ابنة بل كانت شريكة في المسؤولية، خرجت للعمل لأول مرة في حياتها بعد نجاحها بتفوق حتى تؤمّن مصاريف دراستها وتساعد أسرتها، لكن القدر لم يمهلها".
وتابع الأب المكلوم بصوت متهدج: "منذ أيام تم تكريمها في الكلية، فرحنا بها كثيرًا، لكننا اليوم ندفنها، رحلت وتركت لنا الحزن والوجع".
وأكد الحاج سامي، عم الفقيدة، أن فاطمة كانت زهرة العائلة، لا تفارقها الابتسامة، ومعروفة بين أهل المدينة بحسن الخلق والاجتهاد، مشيرًا إلى أن خبر وفاتها كان كالصاعقة، مضيفًا: "نطالب بمحاسبة المتسبب في هذا الحادث، الذي أودى بحياة فتاة بريئة وأصاب أخريات كن يسعين فقط خلف لقمة العيش".
وكان طريق «بلبيس – مسطرد» قد شهد مساء أمس حادثًا مروّعًا، إثر تصادم سيارة ربع نقل تقل مجموعة من العاملات بسيارة شيفروليه، ما أسفر عن مصرع فاطمة في الحال، وإصابة 9 فتيات أخريات تم نقلهن للمستشفى لتلقي الإسعافات.
وكشفت التحريات الأولية أن قائد السيارة ويدعى «أحمد. ص. م» يبلغ من العمر 27 عامًا، كان يقود بسرعة مفرطة وبدون رخصة قيادة سارية، وتم القبض عليه، وحرر محضر بالواقعة رقم 5851 جنح مشتول السوق لسنة 2025، وأُخطرت النيابة العامة التي باشرت التحقيق، وأمرت بانتداب لجنة فنية لفحص أسباب الحادث وسرعة استلام تقارير المستشفى الخاصة بالمصابات.
وطالب أهالي مشتول السوق، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي تصريحات مباشرة، بضرورة تدخل عاجل من الجهات المعنية، لوضع حلول جذرية لوسائل نقل العمال اليومية، خاصة في المناطق الريفية، التي تفتقر إلى وسائل مواصلات مؤمنة ومنظمة، الأمر الذي يعرض أرواح البسطاء للخطر يوميًا.
وقال أحد المواطنين: "كل يوم ضحايا جدد على هذا الطريق.. إلى متى يظل الفقراء يدفعون ثمن الإهمال؟.
رحلت فاطمة جسدًا، لكن قصتها ستظل شاهدة على واقع قاسٍ تعيشه آلاف الفتيات من أبناء الريف، ممن يكافحن لأجل التعليم والحياة بكرامة، وسط ظروف غابت عنها أدنى مقومات الأمان.