«يا خبر»
رغم إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن قرب انتهاء الحرب فى غزة، فالأوضاع على أرض الواقع تشير إلى أن الحديث عن نهاية دائمة للحرب لا يزال سابقًا لأوانه.
أكد ترامب فى رده على سؤال للصحفيين عن الموقف الذى سيعتمده إزاء نتنياهو خلال زيارة الأخير المرتقبة الاثنين لواشنطن؛ قائلا إنه سيكون حازمًا جدًّا مع نتنياهو بغية التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة، وأشار إلى أن نتنياهو أيضا يريد وقفًا للحرب! وهذا فى رأيى كلام مغلوط فالأخير يتعمد إطالة أمد هذه الحرب.
وحتى لا نكون متشائمين؛ هناك بالفعل احتمالات حقيقية لتحقيق اختراق قريب للموقف المتأزم منذ شهور وقد تصدر من واشنطن تصريحات رسمية عن استئناف المفاوضات خلال الأيام المقبلة، والنقاشات تتركّز حاليًّا حول انسحاب الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية، والصياغات التى ستُقدَّم لحركة حماس بشأن إنهاء الحرب، لكن كل هذا حتى يتحقق مرهون باستجابة نتنياهو لضغوط الرئيس ترامب، إن صح وجود ضغوط منه لإنهاء الحرب وشريطة أن لا تكون هناك صيغة سرية لتفاهم ما بين ترامب ونتنياهو على صفقة شكلية تخدم إسرائيل أكثر من كونها تنهى الحرب نهائيا.
المقترح المطروح حاليا هو نسخة «محسّنة» من خطة ستيف ويتكوف، وتشمل فى مرحلتها الأولى إطلاق سراح 8 رهائن إسرائيليين أحياء، يتبعهم اثنان آخران فى اليوم الخمسين، كما تُبذل جهود لصياغة بند يمنح حماس ضمانات بعدم استئناف الحرب من قِبل إسرائيل، من دون أن يتضمّن إنهاء رسميا للحرب، وأتصور أنه رغم ما يقال عن أن حماس تبدى مرونة فى الموقف الأخير لكنها لن تقبل فكرة عدم إنهاء الحرب رسميا بشكل دائم.
ما يدعم احتمالية إبرام صفقة الآن بحسب الإعلام الإسرائيلى أن نقاشا دراميا أجرى خلال اليومين الماضيين بين أعضاء حكومة نتنياهو حول استمرار الحرب، فالجيش الإسرائيلى من جانبه يقول إنه وصل إلى استنفاد المهمة ويجب السعى إلى إنهاء الحرب، وكلام رئيس الأركان إيال زامير فى هذا الشان كان واضحا لا لبس فيه، فقال: «استمرار المعركة يهدد حياة المخطوفين».. النقاش شهد مشادة كلامية بصوت مرتفع جدا حول (ما الأهم؟): استعادة المخطوفين أم هزيمة حركة حماس؟، الجيش قال بشكل صريح للوزراء: بالنسبة لنا حاليا، الأهم وجوب إعادة المخطوفين لبيوتهم.. وما يدعم أيضا قرب نهاية هذه الحرب أن هناك حالة من الانقسام فى الجيش الإسرائيلى بشأنها، فالمزاج فى أوساط العسكريين وعائلاتهم تغيّر كثيرا مقارنة بالأيام الأولى للحرب، ففى أعقاب السابع من أكتوبر 2023 تطوع الآلاف للقتال، لكن بعد شهور طويلة من القتال وتحوّل العملية العسكرية إلى حرب استنزاف، تسرّبت الشكوك إلى النفوس وبدأ جنود الاحتياط يرفضون أوامر الالتحاق بالخدمة.
فى المقابل لماذا نستبعد الوصول إلى صفقة الآن، ببساطة لأن الوضع فى غزة معقد جدا ولا يشبه الوضع فى لبنان ولا فى إيران، حماس حركة تخوض حرب عصابات ويدعمها السكان وتحتجز مخطوفين وفكرة القضاء على حماس كليا تبقى فكرة وهمية حتى لو تفاخر نتنياهو بتصفية قادة حماس وشل قوتها العسكرية، فالحقيقة التى ينكرها نتنياهو أن إسرائيل لم تحقق أيا من أهداف الحرب، التى أعلن عنها مساء السابع من أكتوبر 2023، وزيرا الأمن القومى إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش قالا بصوت مرتفع فى نقاشهما مع رئيس الأركان إن قضية المخطوفين حاليا أقل أهمية من هزيمة حماس، ووجه الوزيران انتقادات حادة لرئيس الأركان، ويتهم الوزيران دائما بالضغط على نتنياهو لإطالة الحرب فى غزة وعرقلة أى صفقة لتبادل الأسرى، فلديهما أجندة سياسية معادية لفكرة وجود دولة فلسطينية من الأساس ويعتبران إعادة احتلال غزة وتهويد القدس والضفة الغربية هدفا مشروعا وهذه الحالة داخل غزفة صنع القرار فى إسرائيل تعكس تخبطا لا يبشر بإنتاج صفقة.
فى السياق نفسه لا تزال هناك شكوك تثار حول مدى جدية الإدارة الأمريكية فى وقف هذه الحرب، بالإضافة إلى تداعيات الهجوم الإسرائيلى والأمريكى على إيران، فالرئيس دونالد ترامب يبدو حقا أنه يريد إنهاء الحرب فى غزة، لكنه فى الوقت ذاته يتجنب الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المطلوب لـلمحكمة الجنائية الدولية، بل يدعمه فى قضايا الفساد التى تطارده، ويبرر ترامب ذلك بالحاجة إلى عدم عرقلة جهود الإفراج عن المحتجزين فى غزة، غير أن هذا التوجه يثير تساؤلات حول جدية المساعى الأمريكية لإنهاء الحرب، ويعكس تناقضا بين النيات والواقع، خاصة أننا لا يمكننا نسيان مقترح الرئيس الأمريكى «ريفيرا الشرق الأوسط» الذى يقوم على تهجير سكان غزة ولا أظن أن ترامب نفسه قد نسيه.
تبقى إدارة الرئيس ترامب أسيرة تصوراتها البراجماتية حيال منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على صفقات ظرفية، وتبقى فرص تحقق أى من سيناريوهات التسوية الدائمة مربوط بتطورات التفاعلات السياسية الداخلية المعقدة الجارية حاليًا فى كل من حماس وإسرائيل والولايات المتحدة.