السلام رسالة الإسلام.. موضوع خطبة الجمعة غدًا
خطبة الجمعة.. كشفت وزارة الأوقاف المصرية، عن موضوع خطبة الجمعة غدًا الموافق 3 يوليو، والتي ستكون بعنوان: السلام رسالة الإسلام، ومن المقرر أن يتلو قرآن الجمعة، القارئ الشيخ إسماعيل الطنطاوي، ويلقي الخطبة الدكتور عباس شومان الأمين العام لهيئة كبار العلماء.
نص خطبة الجمعة:
وثيقة المدينة هي أول نموذج دستوري للتعايش السلمي في الإسلام، وضعه النبي محمد ﷺ عند قدومه إلى المدينة المنورة، وأسّست لمجتمع مدني متعدّد يضمن الحقوق، ويحقق العدل والمساواة بين جميع أفراده، وبرزت فيها مبادئ حرية الاعتقاد، المواطنة المتساوية، الدفاع المشترك، واحترام العهود وهي تُعد نموذجًا حضاريًا يمكن أن تستلهمه المجتمعات المعاصرة لبناء السلام والعدالة.
خطبة الجمعة
أشرقت شمس الإسلام، تحمل في طياتها نور الهداية والرحمة، ومع بزوغ هذه الشمس في يثرب، والتي غدت المدينة المنورة، لم يكن الأمر مجرد تحول ديني، بل كان تغييرًا شاملًا أرسى دعائم التعايش السلمي، وقد تجسد ذلك في “وثيقة المدينة“، فهذه الوثيقة لم تكن مجرد اتفاقية عابرة، بل كانت نفحةُ سلام تجلت فيها آيات القرآن الكريم، وأحاديث الجناب المعظم صلى الله عليه وسلم ؛ لتضع أسس دولة مدنية، تسع الجميع، وتبني نموذجًا فريدًا لـمدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الفاضلة
لقد وصل النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة؛ ليجد مجتمعًا متعدد الأطياف، يضم المسلمين من المهاجرين والأنصار، إلى جانب اليهود من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وغيرهم من القبائل العربية الوثنية، في ظل هذا التنوع العجيب، والمزيج المدهش، كانت الحكمة النبوية تقتضي وضع إطار يضمن حقوق الجميع، ويحقق الأمن والاستقرار، وهو ما تجلى في هذه الوثيقة التاريخية، فهذه الوثيقة لم تكن مجرد تنظيم مؤقت، بل كانت تصورًا عمليًا للمدينة الفاضلة التي يسعى الإسلام؛ لتحقيقها، مدينة تسودها قيم العدل، المساواة، والتعايش السلمي بين مختلف مكوناتها.
خطبة الجمعة
لقد نصت “وثيقة المدينة“ على مبادئ سامية، رسخت قيم التعاون والتعايش، فجعلت من المدينة مجتمعًا واحدًا، بغض النظر عن الدين والعرق ، تقول الوثيق {هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم، ولحق بهم، وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس}، فهذا المبدأ يتسق تمامًا مع رؤية الإسلام للوحدة الإنسانية، كما جاء في قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} [الحجرات: ١٣]. فالتعارف والتعايش، لا التناحر والتقاتل، هو الغاية الأسمى، وهو ما يشكل لبنة أساسية في بناء المدينة الفاضلة.
ولم تغفل الوثيقة مبدأ “حرية الاعتقاد“، فكفلت لكل طائفة دينها وشعائرها. نصت على: “وأن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم”، وهذا المبدأ يتجلى بوضوح في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦]، وهذا يؤكد أن الإيمان لا يمكن أن يفرض بالقوة، بل هو قناعة قلبية، تنبع من حرية الاختيار، وفي المدينة الفاضلة، لا يمكن للإيمان أن يكون حقيقيًا إلا إذا كان نابعًا من إرادة حرة، وفي السنة النبوية، كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في تعامله مع غير المسلمين، فكان يحترم معتقداتهم، ويراعي حقوقهم، مؤكدًا على أن التسامح الديني هو ركيزة أساسية للمدينة المثالية.
خطبة الجمعة كاملة
كما أكدت الوثيقة على مبدأ المواطنة المتساوية، حيث جعلت الجميع شركاء في الدفاع عن المدينة، وحماية أمنها، وجاء فيها: “وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة” هذا يعكس حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» [رواه أبو داود]، وهو وإن كان يخص المسلمين في سياقه، إلا أن روح العدل والمساواة فيه تتسع؛ لتشمل كل من يعيش في كنف الدولة المسلمة، طالما التزموا بالعهود والمواثيق، هذه المساواة في الحقوق والواجبات هي جوهر بناء مجتمع متماسك، وعادل، ينعم بالأمن والاستقرار، وهذا ما يميز المدينة الفاضلة.
الجمعة
ولعل من أهم ما جسدته “وثيقة المدينة”، هو مفهوم العدل الاجتماعي، ونبذ الظلم، لقد نصت على أن “لا يأثم امرؤ بحليفه، وأن النصر للمظلوم”، وهذا المبدأ مستمد من صميم الشريعة الإسلامية، حيث يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: ٩٠] . ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث القدسي: «يا عِبَادِي إنِّي حرَّمْتُ الظُّلْمَ على نفْسي وجعلتُهُ بينَكُمْ مُحرّمًا فلا تَظّالَمُوا» [رواه مسلم]، ففي المدينة الفاضلة، لا مكان للظلم، بل يسود فيها العدل المطلق الذي يضمن حقوق الجميع، ويحمي الضعيف.
إن وثيقة المدينة ليست مجرد حدث تاريخي مضى، بل هي نموذج حي يمكن أن تستلهم منه البشرية في عصرنا الحالي، الذي يعج بالنزاعات، والصراعات، إنها ترينا كيف يمكن للأديان، والثقافات المختلفة أن تتعايش بسلام، وكيف يمكن لدولة أن تبنى على أسس العدل، والإنصاف، بعيدًا عن خطاب التعصب والكراهية، لقد كانت بحق تجسيدًا لـمدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم– الفاضلة، التي لا تقتصر فضيلتها على الجانب الروحي فحسب، بل تمتد لتشمل البناء الاجتماعي والسياسي وغيرها من أوجه البناء، إنها حقًا نفحةُ سلامٍ من مدينة السلام، ورسالة خالدة من نبي الرحمة، مفادها أن التعاون والتآلف، هو السبيل الوحيد؛ لبناء حضارة إنسانية مزدهرة، تقوم على أسس العدل، والحرية، والكرامة الإنسانية للجميع.
وثيقة المدينة لم تكن مجرد اتفاق سياسي، بل كانت حجر الأساس لأول مجتمع إنساني متنوع يسوده العدل والتسامح، وجسّدت رؤية الإسلام في بناء دولة مدنية تحتضن الجميع دون تمييز، ورغم مرور القرون، لا تزال مبادئها صالحة لحل أزمات عالمنا المعاصر، وإنها رسالة خالدة من نبي الرحمة تدعو للتعايش، والعدل، والكرامة الإنسانية.