100 ألف عقار فى «دائرة الخطر»
انهيار العقارات.. فساد وإهمال بلا حساب

مهندس يكشف: أرسلنا إشارة تحذير لحى حدائق القبة قبل انهيار العقارين بـ45 يوماً
مسئولو الحى مشغولون بالتحصيل من الباعة الجائلين.. ولا يسمعون نداءاتنا
الأهالى : نعيش الموت فى كل لحظة.. والمبانى المتهالكة تهدد أرواحنا
العقارات الآيلة للسقوط خطر كبير فى الأحياء القديمة والمناطق العشوائية ذات الكثافة السكانية، ويهدد حياة كثير من المصريين.
وبحسب البيانات والاحصائيات الرسمية، فإن أعداد العقارات الآيلة للسقوط تتجاوز عشرات الآلاف على مستوى الجمهورية، ورغم أن غالبية تلك المبانى مدرجة فى كشوف أجهزة الحكم المحلى بأنها «خطر داهم» منذ سنوات، فإنه حتى كتابة هذه السطور لم يتم إتخاذ إجراءات حاسمة نحوها ويتم ترك المبانى المأهولة بالسكان لحين حدوث كارثة مروعة تزهق أرواح أبرياء.
تجسدت ملامح هذه الكارثة بشكل كبير مؤخرًا، فبعد يومين فقط من انهيار عقار السيدة زينب، انهار عقاران آخران فى حى حدائق القبة، ما يؤكد أن رؤساء أحياء محافظة القاهرة غير قادرين على حماية أرواح المواطنين أو التحكم فى الأزمة المتصاعدة، كما يؤكد أن أحياء محافظة القاهرة ومسئوليها أصبحوا خارج دائرة المسئولية، حيث لا رقابة ولا متابعة حقيقية، فقط تصريحات شكلية لا تغطى حجم الكارثة المتصاعدة، والمواطن يدفع الثمن، ومصيره محكوم بإهمال وتقصير لا يُغتفر.
الآن، وأكثر من أى وقت مضى، يتطلب الوضع فى محافظة القاهرة وقفة حازمة من كل الجهات المعنية، لإعادة السيطرة وفرض النظام، ووقف نزيف الأرواح قبل أن تتحول الأحياء إلى مقابر جماعية بسبب فشل المسئولين، هل من مجيب؟ أم أن الكارثة المقبلة مجرد وقت؟.
الموظفون مشغولون بالتمثيل والتصوير
بين أنقاض العقارين المنهارين «٢٠،و٢٢» فى شارع أبوسيف المتفرع من الخليج المصرى فى حدائق القبة، تتكشف الحقيقة المؤلمة عن حجم الفساد والإهمال الذى ينخر أعمدة الإدارة المحلية، وسط صمت رسمى يثير الغضب.
قال سمير محمد، أحد سكان المنطقة، إن موظفى حى حدائق القبة لا يظهرون فى الشارع إلا لتحصيل الإتاوات من الباعة الجائلين أو للجلوس على المقاهى، بينما المخالفات تتواصل جهاراً نهاراً أمام أعين الجميع، وبعلم تام من إدارات المتابعة والتنظيم، دون أى تدخل يذكر.
وأضاف «سمير» أن المبانى المخالفة تواصل الارتفاع، ورئيس الحى يلتزم الصمت، حتى إذا خرجت فضيحة أو تم تداول صور على مواقع التواصل، يبدأ تحرك مصطنع، حيث يظهر رئيس الحى بصحبة عدد من موظفين المتابعة، يلتقط الصور وهم يهدمون حائطاً هنا أو هناك، ثم ينسحبون سريعاً من الموقع، ويترك المقاول ليكمل البناء بعد ساعات معدودة، وكأن شيئا لم يكن.
وأضاف «سمير» أن الوقائع تشبه المسرحيات المصورة، حيث تنشر لاحقاً على الصفحات الرسمية والشخصية، فى محاولة لتلميع الصورة أمام محافظ القاهرة، الدكتور إبراهيم صابر، ونائبه، بينما الواقع على الأرض يقول إن من يفترض بهم مواجهة المخالفات هم جزء أصيل من استمرارها، قائلاً أن «انهيار عقارين فى حدائق القبة ليس حادثاً عارضاً، بل نتيجة مباشرة لفساد مفضوح، وإهمال ممنهج، وغياب كامل للرقابة والمحاسبة، الأهالى يعيشون وسط قنابل موقوتة من الخرسانة، والمسئولين يتهربون من الحفاظ على أرواح سكان حى الحدائق القبة للمتابعة الميدانية».
لا صور الهدم ولا التمثيليات اليومية تخفى الحقيقة؛ ما جرى هو جريمة إدارية مكتملة الأركان، يدفع ثمنها المواطن، ويفلت منها الجانى تحت حماية التراخى والفساد.
لا أحد يسمع نداءاتنا
فى جولة ميدانية فى شوارع الحدائق بعد إنهيار العقارين، التقت «الوفد» أحمد عبد الهادى أحد سكان الحى، الذى قال: «بصراحة مش عارف أعيش ولا أموت، العقارات حوالينا بتنهار، وحياتنا بقت لعبة فى إيدين ناس مش مهتمة، لا رئيس الحى، ولا مديرة الإسكان، ولا حتى موظفى المتابعة بيطلعوا يشوفوا خوفنا».
وتابع: «منذ فترة وأنا بأصرخ وبنادى، بأبلغ عن أبنية متهالكة ومهترئة، عقارات عمرها فوق الستين سنة، واللى لازم حد يشوف حالها قبل ما تقع علينا، بس كل ده قوبل بالصمت.. صمت قاتل من حى حدائق القبة».
واضاف «احمد»: بنشوف موظفين الحى بيجوا يلموا فلوس من البياعين، ويقعدوا فى القهاوى، لكن لما نحتاج منهم يحافظوا على حياتنا ومنازلنا.. فينهم؟ رئيس الحى ومديرة الإسكان بيتجاهلوا النداءات وكأننا مش بنى آدمين، قائلاً» أنا خايف على عيالى وعلى جيرانى، عايشين فى رعب دائم من أن عقار ينهار فجأة ويحصد أرواحنا، ومش بس خوف، دى صرخة من قلب مكسور، أن المسئولين يتحركوا ويحمونا بدل ما يتهربوا ويختبئوا، حدائق القبة مش بس شوارع ومبانى، دى أرواح وأهل، واحنا مش مستنيين كارثة تانية عشان نسمع صوتنا.. إحنا بنطالب بالحق فى الأمان والحياة الكريمة، مش لعبة إهمال ومصالح شخصية».
المسئولون يفرون بصمتهم
رغم فداحة المشهد وخطورة الموقف، اختار كل من حاتم محمود، رئيس حى حدائق القبة، وناريمان حسنى داود، مديرة إدارة الإسكان بالحى، الصمت والتهرب بدلاً من المواجهة وتحمل المسئولية تجاه كارثة انهيار عقارين رقم 20 و22 بشارع أبو سيف من شارع الخليج المصرى.
«الوفد» تواصلت هاتفياً مع المسؤولَين للحصول على توضيح رسمى حول أسباب الكارثة التى هزت المنطقة، بعد تواتر الشهادات والتصريحات التى تؤكد وجود تحذيرات مسبقة وإشارات رسمية تم تجاهلها، لكن الرد كان مريباً. رئيس الحى رفض الرد، مدعياً الانشغال، ثم أغلق هاتفه، بينما تهربت مديرة الإسكان من الإجابة وتجاهلت تماماً الحديث عن الواقعة، وكأن الأمر لا يعنيها، رغم أن الأرواح التى كانت تحت الأنقاض، والمبانى التى سقطت، تقع تحت إشرافها ومسؤوليتها المباشرة.
هذا الصمت لا يفسر إلا على أنه هروب من المحاسبة، فى وقت كان من المفترض فيه أن تعقد المؤتمرات الصحفية ويصدر بيان تفصيلى لتوضيح الحقائق، لا أن يغلق الهاتف ويدار الظهر للمواطنين. مديرة الإسكان التى من المفترض أن تكون العين الراصدة لحالة العقارات الآيلة للسقوط، غابت عن المشهد كلياً، رغم أن المستندات والإشارات الفنية كانت بيدها منذ أكثر من شهر ونصف الشهر حسب تصريحات مهندس بمحافظة القاهرة.
والأدهى أن رئيس الحى، بدلاً من فتح تحقيق داخلى أو الإعلان عن محاسبة المقصرين، اختار أن يصمت، وكأن العقارين انهارا فى حى آخر، هذا التجاهل الصارخ يؤكد أن أرواح المواطنين لا تزال تدار فى بعض الأحياء بعقلية الإهمال، وأن شعار «سلامة المواطن أولاً» ما هو إلا لافتة إعلانية لا وجود لها على أرض الواقع داخل حى حدائق القبة، ويبقى السؤال معلقاً «من يحاسب المسؤولين عندما يصبح الهروب هو اللغة الرسمية؟».
التحذير من الكارثة
فجّر مهندس بمنظومة الإسكان لمحافظة القاهرة، مفاجأة من العيار الثقيل، حين كشف عن تفاصيل تقاعس إدارى خطير فى إدارة الإسكان لحى حدائق القبة، مما ساهم بشكل مباشر فى وقوع كارثة انهيار عقارين بمنطقة حدائق القبة، مؤكداً أن الإشارة بالتحرك وصلت إلى المسؤولين قبل أكثر من شهر ونصف الشهر، لكنهم لم يحركوا ساكناً.
وقال المهندس، فى تصريح خاص لـ «الوفد» أن إدارة الاسكان أرسلت إشارة رسمية موجهة إلى ملاك العقارات تطالبهم بإعداد تقارير (صالِبات) وتقديم كشوف تفصيلية عن حالة المبانى، وقد تم ذلك منذ أكثر من 45 يوماً»، مشيراً إلى أن هذه الإشارة كان يجب أن تُتابع من قِبَل مديرة إسكان حدائق القبة، ولكن لم يتم اتخاذ أى إجراء على الأرض.
وأضاف، «هذا تقصير فج فى صميم العمل المحلى، المتابعة لم تتم، وكأن الأمر لا يعنيهم رغم أن العقارات المنهارة يعود بناؤها إلى ما قبل عام 1960، أى أنها مدرجة ضمن المبانى القديمة المهددة بالسقوط، والتى تحتاج إلى رقابة استثنائية ومستمرة من مديرة إسكان حى حدائق القبة.
وأشار المهندس، إلى أن التقاعس عن المتابعة والتحقق من تنفيذ ما ورد فى الإشارة الرسمية هو سبب مباشر فى الكارثة، موضحاً أن العقارات انهارت بعد تجاهل كامل لإجراءات السلامة والرقابة من الحى، ما كان يمكن أن يؤدى إلى مجزرة حقيقية لولا الأقدار.
وتابع: «بعد الانهيار، اضطرت الجهات المختصة إلى إخلاء 4 عقارات مجاورة للعقارين المنهارين كإجراء احترازى، وأحد العقارات كان خالياً من السكان، وآخر كانت تسكنه شقتان فقط، هذه الإجراءات جاءت متأخرة، وتمت بعد وقوع الكارثة، وليس قبلها، رغم وجود تحذيرات موثقة».
ووجّه المهندس اتهاماً صريحاً بالتقصير إلى كل من مديرة الإسكان ومدير التنظيم بحى حدائق القبة، محمّلاً إياهما المسئولية المباشرة عن الكارثة بسبب غياب المتابعة، والتقاعس عن تطبيق الإجراءات الوقائية رغم توفر المعلومات والتحذيرات المسبقة.
الغريب أن الحى التزم الصمت ولم يصدر أى توضيح أو بيان رسمى يحدد المسئولية، وسط حالة من الغضب والترقب بين السكان، ويبقى السؤال: من يحاسب من؟ وهل يستمر الإهمال حتى تقع الكارثة التالية؟.
الجرافات سبقت العقول
ووجه مدير إسكان بمحافظة القاهرة بدرجة أولى «أ»، انتقادات لاذعة للطريقة التى تم بها التعامل مع حادث انهيار عقار مكون من أربعة طوابق وطابق أرضى فى منطقة السيدة زينب، مؤكداً أن ما جرى من عمليات تنقيب وانتشال ضحايا تحت الأنقاض تم بطريقة خاطئة، وافتقد لأبسط معايير السلامة المهنية والإنسانية.
وقال المسئول فى تصريح خاص،لـ «الوفد» أن استخدام الجرافات والمعدات الثقيلة فوق العقار المنهار فى وقت لا يزال فيه سكان عالقين تحت الركام، هو تصرف غير مسئول يعكس تخبطاً فى إدارة الأزمة، قائلاً: «كيف يتم تحريك معدات بهذا الحجم دون التأكد من خلو المكان تماماً من الضحايا؟. هذا يعرض الأرواح المتبقية لخطر القتل بدل الإنقاذ».
وطالب بضرورة وجود خطة تدخل مدروسة تعتمد على فرق متخصصة فى الإنقاذ السكنى، وليس فقط معدات الهدم والإزالة، مشدداً على أن السرعة فى رفع الأنقاض يجب ألا تكون على حساب الأرواح البشرية.




