علي جمعة يحذر: القول في الدين بغير علم من أخبث مهالك اللسان

حذّر الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، من ظاهرة شائعة في مجتمعاتنا المعاصرة تتمثل في اقتحام غير المتخصصين لمجال الفتوى، والحديث في الدين دون علم، واصفًا ذلك بأنه "من أخبث مهالك اللسان وأكثرها انتشارًا".
وأكد أن كثيرًا من الناس باتوا يتكلمون في أحكام الدين ويصدرون الفتاوى بناءً على آرائهم الشخصية، دون إلمام حقيقي بعلوم الشريعة، ومناهجها الدقيقة، معتبرًا هذا التعدي خطرًا كبيرًا على الدين والمجتمع.
الفرق بين الدين والتدين
وأوضح جمعة أن علم الدين، شأنه شأن سائر العلوم، له مبادئ وقواعد ومناهج وكتب ومراحل تعليمية متعددة تبدأ من التأسيس النظري وتصل إلى التخصصات الدقيقة والبحث العلمي، مضيفًا أن هذا العلم لا يتأتّى إلا بوجود أركان أساسية: الطالب، والأستاذ، والكتاب، والمنهج، والجو العلمي.
وأشار إلى أن التدين، أي التطبيق العملي للدين في حياة الفرد، شيء مختلف تمامًا عن العلم الديني المتخصص، محذرًا من الخلط بين المفهومين، ومؤكدًا أن "التدين لا يُخوّل صاحبه للفتوى"، تمامًا كما لا يسمح للإنسان العادي بمعالجة المرضى لأنه يتبع نمطًا غذائيًا صحيًا.
الفتوى ليست رأيًا شخصيًا
وشدّد الدكتور جمعة على أن الفتوى ليست رأيًا يخضع للمناقشة العامة، بل حكم ديني يصدر عن متخصص قضى عمره في دراسة النصوص الشرعية وفهم الواقع، مشبهًا الفتوى بحكم القاضي، الذي لا يناقشه العامة، بل يُطعن عليه عبر آليات قضائية متخصصة.
وقال: "ليس من حق غير المتخصص الاعتراض على فتوى صادرة من عالم موثوق، وإذا لم يقتنع، فليطلب فتوى من جهة علمية أعلى، لا أن يفتح باب الجدل في غير موضعه".
منهج علمي لا يقبل العشوائية
وانتقد ما وصفه بـ"المهزلة الفكرية" التي تسمح لأي شخص – لمجرد أنه مثقف – بأن يتحدث في الفقه أو يعترض على الفتاوى الرسمية، دون أن يدرك طبيعة المنهج العلمي الذي تسير عليه المؤسسات الدينية المعتبرة.
ودعا الدكتور علي جمعة إلى ضرورة التفريق الواضح بين من يملك أهلية الفتوى ومن لا يملكها، تمامًا كما نفرّق بين الطبيب المرخّص والمعالج الشعبي، مشيرًا إلى أن هذا الوعي المنهجي غائب للأسف عن كثير من المثقفين في ثقافتنا السائدة.
لسانك حصانك
وفي ختام حديثه، شدّد على ضرورة حفظ اللسان، قائلاً: "ينبغي على المسلم أن يُمسك لسانه عن القول بغير علم، وأن لا يتكلم في دين الله إلا بعلم، حتى ينجو بسلام من مهالك الدنيا والآخرة".