رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

رادار

ما بين طفل فلسطين الذى يفتح عينيه على لهب القذائف.. وطفل السودان الذى ينام على رماد البيوت المهدمة تمتد مأساة واحدة لا تعرف الحدود، مأساة تنام على عبث الجغرافيا ومهانة التاريخ، وتستيقظ على صوت الجوع والخوف، وتتعلم مبكرًا أن العالم قادر على أن يرى كل معانى الخزى دون أن يفعل شيئًا.. هؤلاء الأطفال يواجهون ذات الحقيقة المفجعة – طفولة محاصرة بين الموت والصمت والخزى والقهر، طفولة مرهونة بالحزن والألم والقسوة وحلما فى نهاية الطريق ينبأ بالموت.

وفى نفس هذا المشهد.. تقف امرأة غزة وامرأة السودان – واحدة تحمل طفلها من تحت ركام القصف والأخرى تهرب بطفلها من رصاص طائش أو ميليشيا حقيرة عابرة.. كلتاهما تنظر إلى العالم بعينين حائرتين يسكنهما الرعب الحتمى تقولان: لقد تعبنا ونحن نلد أجيالا للموت فى بحور من الدم لا للحياة.. إن فى تلك النظرات وجعا وقهرا وحديثا عن الخزى والعار – عار ليس عليهما، بل على هذا العالم الذى عشق لعبة التآمر.. هذا العالم الذى يسمح بتكرار المأساة الإنسانية وكأن الدم أصبح تفصيلة عابرة فى نشرات الأخبار.

ورغم هذا الطريق الطويل من القهر – ورغم هذا الانحدار المخزى فى شهية العالم نحو الألم، تبقى الكرامة هى ذلك الضوء الصغير الذى لا يخبو ولا ينتهى من قلوب هذا المخلوق العظيم.. فالطفل الفلسطينى الذى يحمل حقيبته الممزقة ويذهب إلى مدرسة بلا سقف، يعلن أن المعرفة أقوى من الاحتلال.. والطفل السودانى الذى يبتسم رغم الجوع، يعلن أن الروح أقوى من الخراب، فإنها ليست مجرد شجاعة – بل عزة نفس تولد رغم الحصار، وتكبر رغم الرصاص.. أما عن المرأة – تلك التى تقف فى صمت يوازى صمت الجبال وعزة تضاهى الحياة، فهى ليست رمزا للمعاناة فقط، بل رمزا للصلابة التى تعيش وتربى وتصمد فى قلب النار.. امرأة غزة التى تحمل ماء ملوثا لعائلتها تقول للعالم إن الكرامة ليست رفاهية بل هى أسمى طرق البقاء ولكنه بكرامة.. وامرأة السودان التى تهاجر بين القرى بحثًا عن ملجأ – فتقول إن الشرف ليس فى المكان، بل فى الروح التى لا تنكسر.

وحين ننظر إلى المشهدين معا.. نرى أن القهر والذل ليسا مجرد حالتين، بل بنية كاملة صنعها الصمت الدولى وصاغها العجز العربى وتغذت على نزوات السياسة وتجارة الدم.. ورغم كل شيء تظل حكاية العزة والكرامة أكبر من فكرة عابرة وأعمق من حدث فى غزة أو السودان.. فالعزة هنا ليست شعارا نرفعه – بل فعلا يوميا يسمى بالمقاومة الأبية.. طفل يتنفس ويبتسم ويتعلق بالأمل رغم غبار الانفجارات وصفارات الموت ورائحة الدم التى تسكن كل الأزقة وكل الحارات.. امرأة تطبخ رغم انقطاع الكهرباء، أسرة تبحث عن حياة رغم موت الحياة حولها.

إن الكرامة يا سادة – ليست ثوبا يخلع – بل هى جذور تنمو فى أعماق الروح المثقلة بالوجع والفقدان قد يجرفه الألم قليلا لكنه مستحيل أن يقتلع.. فحين ننظر إلى أطفال غزة والسودان معا نكتشف أنهم لا يطلبون الكثير.. لا يريدون قمح العالم ولا قواته ولا أسلحته ولا خطبه الباردة.. يريدون فقط حياة يمكن أن تسمى بالحياة.. وفى لحظة أخرى حين نقف أمام امرأة غزة وامرأة السودان نفهم أن العار ليس فى جراحهمان – بل فى كل يد حقيرة مدنسة الخيانة والعار تركت تلك الجراح تنزف.. فإنهما لا تبكيان ضعفا – بل تبكيان من تخلى الخلان وقهر الزمان.

وفى النهاية تبقى الكرامة عند الشعوب المقهورة شمسا تولد من قلب الظلام.. قد يطول الليل وقد يثقل الصمت، لكن حكايات الكرامة فى تاريخ العزة حتما لا تموت.. وما بين غزة والسودان ستظل تكتب بأقلام من دم وبأرواح لا تعرف الانكسار.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

 

[email protected]