رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

على فكرة

قبل نحو عام من انتهاء الولاية الثانية للأمين العام الحالى أحمد أبوالغيط، ومع اقتراب موعد التوافق حول الأمين العام الجديد فى مارس من العام القادم 2026، دخل السجال حول مستقبل الجامعة العربية، مناطق خطرة وملغومة، لا يتردد بعضه عن القول إن العروبة عنصر دخيل على الهوية المصرية ذات الأصول الفرعونية، فى تجاهل تام لهوية فريدة فى نوعها، تتشكل من حضارات وثقافات اليونانية والرومانية والفرعونية والقبطية المسيحية والعربية الإسلامية. لا يكتفى السجال بالدعوة لتداول المنصب الذى ظل مقصورا على مصر منذ نشأة الجامعة فى 22 مارس عام 1945، ولا يتوقف عند المطالبة بنقل مقرها من القاهرة، إلى الرياض، بزعم أن دور مصر قد تراجع ولا تأثير له فى قضايا المنطقة والإقليم، وأن الخليج العربى بات هو مركز الثقل العربى الجديد، لاسيما بعد الصفقات التجارية والعسكرية غير المسبوقة، التى تمت مؤخرا بين ترامب وبين دوله!
موضوع تداول منصب الأمين العام للجامعة العربية وعدم قصره على مصر ليس جديدا، والجزائر تطرحه منذ عدة عقود. وفكرة نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة، تم تطبيقها فعليا، حين قاد عراق صدام حسين جبهة الصمود والتصدى لقطع علاقات الدول العربية بنظام السادات، وتعليق عضوية مصر فى الجامعة عقابا له على توقيعه المعاهدة المصرية مع إسرائيل فى 26 مارس عام 1979، التى استردت بها مصر أرضها المحتلة. وفى هذه الأثناء تم نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس، فلم يسمع لها أحد صوتا، لا صمودا ولا تصديا قبل أن تعود، بعد أكثر من عقد، إلى مقرها الدائم فى القاهرة. لكن المؤكد أن ذلك لم يفلح فى أن تجنى دول المقاطعة أى نتائج للقناع الذى ارتدته للصمود والتصدى، لأنه كان مجرد ساتر لإخفاء ما كانت تتدثر به، من صراع عميق على التسلط والنفوذ، بين جناحى البعث الحاكم، فى كل من بغداد ودمشق على قيادة المنطقة، بإضعاف مصر وعزلها.
ولم تسفر مقاطعة مصر سوى عن ضعف النظام العربى بمجمله، وعزلة الشعوب العربية عن بعضها البعض، وتحمل تلك الشعوب -وليس الأنظمة- للنتائج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لقرارات تلك المقاطعة البائسة.
لكن أخطر نقاط السجال مدعاة للتوقف تلك الدعوة العدمية التى تسعى لخلط المفاهيم وتغييب الحقائق، ولا تتوانى عن التكرار، بهدف إعادة تشكيل الوعى الشعبى للمواطنين العرب، لحفز مشاعرهم لتكوين رأى عام بينهم يعزف لحنها، ويشكك فى التاريخ المشترك والمصير الواحد للشعوب العربية، ويقلل من العوامل الثقافية واللغوية والجغرافية والدينية التى تربط بين دول وشعوب المنطقة. وهى دعوة تضع كل ما هو عربى هدفا للوحة سهامها. وبهذا المعنى فإن الجامعة العربية فى نظر هؤلاء قد ترهلت وانتهى تاريخ صلاحيتها، وهى صرف دون عائد، ووجود شكلى جامد بلا دور، ولا بديل عن بؤس حالها سوى الغائها والبحث عن كيان بديل، ربما لكى يتوافق مع الشرق الأوسط الجديد، الذى يسعى مجرم الحرب نتنياهو بدعم من الرئيس الأمريكى ترامب، إلى إعادة تشكيله، طبقا لمصالحهما المشتركة.
المدهش أن السجال يسعى إلى القول إن تجاوز أزمة الجامعة العربية، رهن بتداول منصب الأمين العام ونقل المقر من القاهرة. وبطبيعة الحال، فإن ميثاق الجامعة العربية لا ينطوى على نص يحدد جنسية الأمين العام، لكنه ينص على أن تكون القاهرة هى المقر الدائم لها. وتلك رؤية شديدة السطحية لتعثر تطوير أداء جامعة الدول العربية. فجوهر المشكلة يكمن فى غيبة الإرادة السياسية للنظم العربية للتوصل إلى قرار عربى موحد على الأقل فى الجوانب التى باتت مهددة للأمن القومى العربى، وفى ضعف العلاقات الاقتصادية والتبادى التجارى بين دوله وفى تغليب المصالح القطرية على حساب المصالح القومية المشتركة، وفى إفشال كل محاولة لجعل آلية تنفيذ قرارات الجامعة ملزمة، ونقل مقر الجامعة وتداول موقع أمينها العام لن يحل تلك المشاكل البنوية ولن يخرج عملها من أزمته.
أما المؤكد فإن إنشاء شرق أوسط جديد يراعى المصالح العربية، غير ممكن فى غيبة الجامعة العربية، وفى غيبة الدور المصرى الفاعل بها، وهو دور لا تصنعه الثروة، ولا يلغيه التطاول، ولا تثبته التهديدات الشعبوية، وهو قبل هذا وبعده، لا يحتاج إلى إقرار من أحد لإثبات جدارته وأهليته فى معاركه لمساندة القضية الفلسطينية، وللحفاظ على الدولة الوطنية من السقوط فى براثن الإرهاب والمتاجرة بالدين ودعاة الفوضى الخلاقة!