رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

ذكرى النكسة| هزيمة مذلة واجهها عبدالناصر بأقراص «السيكونال».. (مذكرات هيكل السرية)

عبد الناصر وهيكل
عبد الناصر وهيكل

في ذكرى نكسة 5 يونيو 1967، التي تحل علينا اليوم ومرور 58 عاما، تتجدد في الأذهان صور الهزيمة القاسية التي منيت بها الأمة العربية في حرب عام 1967. 

وبينما يتذكر البعض أحداث الهزيمة المذلة التي محتها معركة 6 أكتوبر المجيدة، يكشف محمد حسنين هيكل، الكاتب الصحفي الراحل والذي كان قريبا من الرئيس جمال عبدالناصر تفاصيل ليلة 9 يونيو 1967، الليلة التي تلت قرار الرئيس جمال عبد الناصر بالتنحي عن الحكم بعد هذه الهزيمة المروعة. 

ووصف هيكل الذي رحل في فبراير 2016 هذه الـ 24 ساعة بأنها فترة كثيفة بالأحداث لدرجة أنها "يمكن أن تملأ مجلدات"، مشيرًا إلى الفوضى والاضطراب اللذين اجتاحا مصر في تلك اللحظات الحاسمة التي عصفت بالكيان المصري، وترك عبدالناصر في حالة من الأرق وعدم النوم والانعزالية في غرفته، للدرجة التي جعلته معتمدا بشكل رئيس على أقراص “السيكونال” المناهضة للأرق لكي يتذوق النوم ولو حتى لدقائق.

ويتذكر هيكل خلال برنامجه “تجربة حياة مع هيكل” كيف ألقى قرار عبد الناصر بالاستقالة البلاد في دوامة من عدم اليقين، فبعد إعلان التنحي، شهدت مصر مظاهرات حاشدة وعفوية رفضت استقالته، مطالبة بعودته إلى سدة الحكم، ما ترك البلاد في حالة من الشلل القيادي. 

وفي خضم هذه الأزمة، رفض زكريا محيي الدين تولي القيادة المؤقتة، مؤكدًا دعمه لعودة عبد الناصر، وجد هيكل نفسه وسيطًا رئيسيًا، ينقل الرسائل نيابة عن الرئيس الذي كان يخشى سوء الفهم. 

وتصاعد القلق بين المسؤولين، حيث عبر وزير الداخلية شعراوي جمعة عن مخاوفه من تصاعد الاضطرابات العامة، مع توجه القرويين نحو القاهرة، متخوفًا من سيناريو أسوأ من حريق القاهرة عام 1952.

نداءات عالمية.. وحيرة رئيس

لم تقتصر الضغوط على الداخل المصري، فسرعان ما انهالت الاتصالات الدولية على عبد الناصر، قادة عرب مثل الملك حسين والرئيس الجزائري هواري بومدين (الذي عبر عن غضبه ولومه للسوفييت لعدم دعمهم الكافي) حثوا ناصر على التراجع. 

كما وصلت رسائل من شخصيات عالمية مثل الأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت الذي ناشد كبرياء ناصر، ومن شارل ديغول رئيس فرنسا الذي أكد أن النصر والهزيمة عابران، وأن الشجاعة الحقيقية تكمن في مواجهة الشدائد، وحتى القيادة السوفيتية، ممثلة بكوسيجين وبودجورني وبريجنيف، دعت ناصر بشكل جماعي إلى عدم التخلي عن بلاده، مشددين على مكانته الكبيرة وثقة الشعوب العربية فيه.

جبهة الجولان تستغل الفراغ

في ظل هذا الاضطراب في القاهرة، كانت الأحداث تتسارع على الجبهة السورية، لاحظت قوات الاحتلال الإسرائيلية، التي كانت مترددة في البداية، الفوضى في مصر. 

وكشفت التقارير الاستخباراتية عن حالة من الفوضى وتخلي القوات عن مواقعها على الجبهة السورية عقب أنباء استقالة ناصر، وعند حوالي الساعة 10:30 مساءً، بدأت فرقة مدرعة إسرائيلية في صعود هضبة الجولان، مستغلة عدم تنظيم الجيش السوري، هذا القرار، الذي اتخذته القيادة الإسرائيلية، وخاصة ديان، تأثر بالفرصة التي سنحت لهم نتيجة الوضع في مصر.

قرار اللحظة الأخيرة: تأجيل التنحي استجابة للشعب

على الرغم من المناشدات الهائلة، كان عبد الناصر في البداية مصممًا على الاستقالة، لكن هيكل، الذي شهد الصرخة الشعبية والدولية وتدهور الوضع على الجبهة السورية، حث ناصر على إعادة النظر، مؤكدًا أن عدم عودته قد يؤدي إلى كارثة أكبر. في النهاية، وتحت ضغط هائل، وافق عبد الناصر على إصدار بيان للجمعية الوطنية يشير فيه إلى أنه "سيؤجل" استقالته "مؤقتًا". 

هذا القرار، الذي قدم كاستجابة للطلب الشعبي، كان يهدف إلى استقرار البلاد والتحضير لتحديات المستقبل، ساعد هيكل في صياغة هذا البيان، ناقلاً استجابة عبد الناصر العاطفية العميقة للدعم الشعبي الساحق.

ويختتم هيكل شهادته بالتأكيد على أن أحداث تلك الليلة، التي تميزت برفض الشعب للهزيمة وولائه الثابت لعبد الناصر، كانت ظاهرة تاريخية فريدة يصعب تفسيرها.

كيف قصف الاحتلال مصر

 شكلت العملية التي أطلق عليها الاحتلال “فوكس” ضربة قاصمة في بداية الحرب، كشفت عن تخطيط دقيق وتكتيكات متقدمة سمحت لها بتحقيق تفوق جوي حاسم.

موجات متتالية لتدمير القواعد الجوية

بدأ هجوم الاحتلال الإسرائيلي المباغت في تمام الساعة 8:22 صباحًا بتوقيت القاهرة، حيث أطلقت القوات الجوية الإسرائيلية خمس موجات متتالية من الطائرات الحربية، تضم كل موجة نحو 40 طائرة، تميزت هذه الهجمات بـ التحليق على ارتفاعات منخفضة جدًا (تتراوح بين 30 و50 مترًا)، مما ساعد على تفادي أجهزة الرادار المصرية.

استهدفت الموجة الأولى 10 مطارات رئيسية في سيناء والقناة وعمق الأراضي المصرية، وشملت الأهداف قواعد جوية حيوية، اعتمد الاحتلال تكتيكًا دقيقًا، حيث خُصصت أربع طائرات لكل مطار، مع فارق زمني قدره 20 ثانية بين كل طائرة، لضمان استمرارية القصف.

قنابل متطورة وخسائر فادحة

ولإحداث أقصى قدر من التدمير، استخدمت إسرائيل قنابل باراشوت جديدة مصممة خصيصًا لتدمير مدارج الإقلاع، هذه القنابل كانت تنفجر على مراحل لتُحدث حفرًا كبيرة، ما جعل إصلاح المدارج مهمة شبه مستحيلة.

وكانت معظم الطائرات المصرية جاثمة على الأرض ودون تحصينات كافية، ما جعلها أهدافًا سهلة للطيران الإسرائيلي. 

وتشير المصادر المصرية إلى أن الخسائر بلغت 170 مقاتلة، و57 قاذفة، و27 طائرة نقل، و13 مروحية، بينما تزعم المصادر الإسرائيلية أن عدد الطائرات المدمرة وصل إلى 300 طائرة، بالإضافة إلى تدمير 17 مطارًا وقتل 100 طيار مصري، وفي غضون ساعتين ونصف فقط، تمكن الاحتلال من شل القدرة القتالية لسلاح الجو المصري بالكامل.

امتداد الهجوم ليشمل الأردن وسوريا والعراق

لم يقتصر هجوم الاحتلال على مصر، فبعد الظهر من نفس اليوم، شنت إسرائيل هجمات متزامنة على المطارات الأردنية والسورية والعراقية، فبعد أن قامت هذه الدول بهجمات جوية محدودة على إسرائيل. ونتيجة لهذه الضربات، تم تدمير معظم الطائرات العسكرية لهذه الدول على الأرض أيضًا.

نجاح يعزى إلى التخطيط والدقة

يُعزى النجاح الساحق لعملية "فوكس" إلى التخطيط الدقيق الذي سبق الحرب، والمعلومات الاستخباراتية الشاملة التي جمعها الاحتلال عن مواقع القواعد الجوية المصرية وقدراتها، بالإضافة إلى التدريب المكثف على الخطة وتنفيذها بدقة متناهية، شكلت هذه العملية نقطة تحول حاسمة في حرب 1967، ومهدت الطريق أمام الاحتلال على الجبهات الأخرى.