كلمة حق
يعتبر التفاوض الُمتزامن على تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران لن يُسهم في التوصل إلى اتفاق بشأن قضية التخصيب فحسب، بل قد يُفضي إلى سلام واستقرار إقليميين طويلي الأمد، ونظرًا لتقلب تصرفات ترامب ونهجه غير التقليدي، فإنه في وضع فريد يُتيح له منح إيران فرصة للتحول من مصدر لعدم الاستقرار والصراع الإقليمي إلى لاعب بنّاء.
قد تكون إيران منفتحة على تغيير مسارها طالما بقي النظام قائمًا، ونمو اقتصادها، وعدم تدخل أي قوة أجنبية في شؤونها الداخلية، كما أن التوقيت مناسب جدًا لترامب لاتخاذ مثل هذه الخطوة، حيث تجد إيران نفسها في أضعف حالاتها خلال العقدين الماضيين.
لقد انهار محور المقاومة الإيراني - فقد ضعفت حماس، وتراجع حزب الله بشكل كبير، وأصبح الحوثيون أقل فعالية بشكل متزايد - بينما فقدت موطئ قدمها في سوريا، التي كانت محورية لإبراز قوتها الإقليمية.
علاوة على ذلك، سحقت إسرائيل إلى حد كبير نظام الدفاع الجوي الإيراني ودمرت كمية كبيرة من مخزونها من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، والتي ستكون في كل الأحوال غير فعالة للغاية بالنظر إلى قوة الدفاع الجوي لإسرائيل وحلفائها.
ولكن.. تواجه إيران ثلاثة خيارات:
(أولأً) هو تجديد محور المقاومة، وهو أمر سيستغرق سنوات وبتكلفة باهظة، لقد تمكنت إسرائيل من سحقها في الماضي، ويمكنها فعل ذلك مرة أخرى، مما يجعل هذا الخيار غير مرغوب فيه للغاية.
(ثانيًا) قد تلجأ إيران إلى تطوير أسلحة نووية لردع أي هجمات مستقبلية على أراضيها، مع تحييد القدرة النووية الإسرائيلية، هذا الخيار محفوف بمخاطر جمة، إذ من المرجح أن تهاجم الولايات المتحدة و/أو إسرائيل بنيتها التحتية النووية، وهو ما تسعى إيران جاهدةً لمنعه.
(ثالثًا) قد تختار طهران تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، كما أشار ترامب، شريطة ألا تسعى الولايات المتحدة لتغيير النظام في أي وقت، وأن تُترك إيران وحدها لتعالج شؤونها الداخلية كما تشاء.
وهذا هو الخيار الأكثر ترجيحًا، إذ يُفضل ترامب مناقشة التطبيع والسلام، شريطة أن تستوفي إيران عدة شروط.
يجب على إيران الالتزام التام بالاتفاق الجديد، وإيقاف مجمعها الصناعي النووي الضخم بشكل يمكن التحقق منه، والتركيز حصريًا على الاستخدام السلمي لبرنامجها النووي؛ ووقف دعمها لأي جماعات متطرفة تُهدد أيًا من دول المنطقة؛ ووقف التهديدات الوجودية لإسرائيل؛ وعدم التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في الشؤون الداخلية لأي دولة في المنطقة؛ وأخيرًا، إظهار استعدادها لأن تصبح لاعبًا إقليميًا بنّاءً.
الخلاف بين ترامب ونتنياهو
في حين أن ترامب منفتح بلا شك على تطبيع العلاقات مع إيران، إلا أنه لا يتفق مع نتنياهو، الذي يعارض أي اتفاق أمريكي-إيراني. يُصرّ نتنياهو على اتفاق "على غرار ليبيا" يشترط التنازل الكامل عن الأصول النووية، ولم يستبعد العمل العسكري الأحادي الجانب.
باستثناء نتنياهو، تسعى القوى الإقليمية، وخاصة دول الخليج العربي، وكذلك ترامب، إلى تجنب المواجهة العسكرية مع إيران، مدركةً أن مجرد التفكير في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية سيكون ضربًا من الجنون من جانب نتنياهو، متجاهلًا التداعيات الإقليمية المروعة التي قد تترتب على ذلك.
لهذا السبب، وفي كل قضية استراتيجية وجيوسياسية مهمة تقريبًا تُعنى بإسرائيل، اختار ترامب التصرف بشكل أحادي على جبهات مختلفة تمامًا عما كان نتنياهو سيختاره، بما في ذلك السعي إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، ووقف إطلاق النار مع الحوثيين، واحتضان النظام السوري الجديد، والتفاوض مباشرةً مع حماس بشأن إطلاق سراح الرهائن، وربما منح إيران أفقًا جديدًا، وهي خطوة قد تقبلها إيران طواعيةً.
إن تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية لن يؤدي إلا إلى زيادة إصرارها على امتلاك أسلحة نووية، وسيصبح العداء تجاه إسرائيل مميتًا لا رجعة فيه.
في نهاية المطاف، تُعتبر إيران قوة إقليمية عظمى يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة، وتمتلك موارد طبيعية وبشرية هائلة، وتتمتع بموقع جيوستراتيجي بالغ الأهمية، وتُقدّر تاريخًا غنيًا يمنحها حضورًا إقليميًا فريدًا.
حتى بعد معاناتها من حرب مدمرة، ستبرز إيران من جديد كقوة عظمى يجب على ترامب ونتنياهو أخذها في الحسبان.
إيران باقية، والعقل السليم يقتضي إيجاد حل سلمي دائم لبرنامجها النووي.
إن السعي لتطبيع العلاقات مع إيران والتقدم نحو اتفاق سلام، وهو ما أشار ترامب إلى نيته السعي إليه، يمثل قفزة جيوسياسية تاريخية، فمن شأنه أن يخفف التوتر بين إيران وإسرائيل بشكل كبير، ويحول المنطقة من منطقة موبوءة بالصراعات والاضطرابات إلى منطقة سلمية تنعم بالأمن والازدهار.
ومن المفارقات أن ترامب، مع كل عيوبه، في وضع فريد يسمح له بمحاولة ما لم يجرؤ أسلافه على فعله.