الهروب من فخ الفتنة

كيف تعامل المصريون مع أحداث السبعينيات ؟
ثورة ١٩ أهم أسباب تلاحم المصريين
هل سيؤدى الأمر إلى فتنة؟ سؤال راود عقولنا واختنقت به ألستنا، فبعد كل حادث يكون طرفاه مسلما ومسيحيا يأخذنا الخوف إلى ترقب ما ستسفر عنه الأحداث بحذر، حتى ندرك فى لحظة كشف هائلة أن «المصريين» واعون بما يكفى للتفرقة بين حادث يقع بقصد الدين، وآخر كان اختلاف الدين صدفة ليس إلا...
< أهو فتنة أم ظلم اجتماعى؟..
- هكذا تساءلت وتساءل غيرى، عقب وقوع ذلك الحادث البشع الذى هز جنبات صدورنا جميعا... واقعة اغتصاب الطفل ياسين فى إحدى المدارس الكنسية..
وهو ما أحالنى إلى حوادث سابقة كثيرة لم ينجر المصريون عبرها إلى فخ الفتنة..
نعم، أدركوا بهدوء العارف المجرب أن ما حدث لياسين كان يمكن أن يحدث لجورج، وما حدث لطفلة اغتصبت فى نهار رمضان بأحد المساجد كان يمكن أن يحدث لمايكل فى مكان آخر، والمجرم الذى جر طفلة من نهر الشارع إلى زاوية حمام بمسجد واعتدى عليها فى واقعة سابقة، لم يكن يعرف أنها مسلمة، بل من الممكن أن نكتشف أنها مسيحية.. هكذا ببساطة، فمن يرتكب جرم الاعتداء لا يعنيه فى معظم تلك الحوادث ديانة المعتدى عليه، بل فعل الاعتداء نفسه.
وما نقوله هنا ليس محض أقوال أو افتراء على التاريخ، فالأخير يحفل بالعديد من الحوادث التى كادت أن تتحول لفتنة طائفية لولا وعى المصريين وذكاؤهم، وإدراكهم لما يحوم حولهم من مكائد داخلية وخارجية، يهمها إشعال نار لا تخمد، فالمصريون دائما ما يدركون أنهم مسيحيين ومسلمين ليسوا عنصرين للأمة مثلما أشيع، فبعيدا عن عدم دقة ذلك المصطلح تاريخيا، فالمصريون عنصر واحد بدأ مسيحيا ثم دخل بعض هؤلاء المسيحيين فى الإسلام مع الفتح الاسلامى لمصر، حتى كنت تجد فى بدايات الفتح مصريا قد دخل الإسلام وله أخ أو ابن ظل على مسيحيته، إذن فهو عنصر واحد وليس عنصرين..
والآن دعونا نذكر بعضا من تلك الأحداث وكيفية تلقى وتعاطى الشعب المصرى معها:
< حادث اغتيال بطرس غالى:
تحوّل إبراهيم ناصف الوردانى قاتل بطرس غالى، إلى بطلٍ شعبى ورمزٍ وطنى تنظم فيه الأشعار والأزجال، ومنها الشعر الشعبى: «قولوا لعين الشمس ما تحماشى لاحسن غزال البر صابح ماشى» والذى استعير مطلعه لأغنيةٍ شهيرةٍ فى الستينيات، بل وانتشرت حملات توقيع العرائض للعفو عنه، وخرجت المظاهرات -وخاصةً يوم إعدامه-، وشاعت صوره فى المقاهى والأماكن العامة حتى لقد صدر قرار يُجرّم أى مصرى يحتفظ بصورة الوردانى وبقى القرار سارياً حتى ثورة يوليو 1952م.
وقد شاع أن الوردانى مسيحى، والحقيقة أن ناصف إبراهيم الوردانى ليس مسيحياً، بل مسلم، وانتشر وقتها أنه مسيحى حتى لا تحدث الفتنة لو كان القاتل مسلمًا، فهكذا يصبح الأمر كأن مسيحيا قتل مسيحيا، فلا باب تدخل منه نار الفتن، خاصة أن الإنجليز كانوا ينفذون سياستهم للوقيعة بين طرفى الأمة المصرية من مسلمين ومسيحيين.
< اغتيال يوسف باشا وهبة
فى يوم 15 ديسمبر 1919 فى عز أحداث ثورة 19 كان يوسف وهبة باشا- وهو مسيحى، ويعد ثالث مسيحى يرأس حكومة مصر، أولهم الأرمنى نوبار باشا وثانيهم بطرس باشا غالى، كبير المسيحيين، وثالثهم يوسف وهبة باشا- فى ذلك اليوم ترصد الشاب المسيحى عريان يوسف سعد ليوسف وهبة، وهو يمر بسيارته بشارع عدلى، وألقى عليه قنبلتين ثم أخرج الشاب- وكان طالباً بكلية الطب- مسدساً وحاول إطلاقه على رئيس الوزراء ولكن تم القبض عليه فى إحدى حوارى عابدين وهو يحاول الهرب، وصدر ضده حكم بالأشغال الشاقة، ثم أفرج عنه سعد زغلول عندما أصبح رئيساً للوزراء.. وكان مما قاله الشاب عريان أنه حاول ذلك حتى لا يقوم شاب مسلم بنفس المحاولة، وتحدث الفتنة بين المسلمين والمسيحيين.
< ثورة ١٩ أحد أسباب تلاحم المصريين
كان قيام ثورة 1919 – بما شهدته من مشاركة مسيحية وتلاحم مصرى فى وجه الاحتلال البريطانى - قد أدى إلى بعث روح وطنية جديدة، تعززت بصدور دستور 1923م، الذى أكد على المساواة بين كل المصريين، بصرف النظر عن الاختلاف فى المعتقد الدينى، وأقر حرية أداء الشعائر الدينية، وإن أشار إلى أن الإسلام هو دين الدولة، وهو أمر لم يكن محل اعتراض من الأقباط الذين شاركوا فى لجنة وضع الدستور.
وعندما نتناول بالحديث ثورة 1919 فعلينا أن نعدد الكثير من المواقف، منها على سبيل المثال أن الأب سرجيوس وقف على منبر الأزهر آنذاك ليقول: «إذا كان الإنجليز يتمسكون ببقائهم فى مصر بحجة حماية القبط فأقول لهم: ليمت القبط وليحيا المسلمون أحراراً»، ونُقل عنه أيضا «إذا كان استقلال المصريين يحتاج إلى التضحية بمليون قبطى، فلا بأس من هذه التضحية.
وعندما عاد سعد زغلول من منفاه فى 1923 قال للشعب فى أول خطاب له ردًا على الأحرار الدستوريين الذين حاولوا - أثناء نفيه - بعث نيران التوتر الطائفى «أحثوا التراب فى وجوههم، فرصاص الإنجليز لم يميز بين قبطى ومسلم من أبناء مصر».
وقد أقرت ثورة ١٩ مبدأ حرية الاعتقاد بكل مجالاته، وأعلنت لجنة وضع المبادئ العامة للدستور وأعلنت اللجنة أن اختلاف الأديان والمذاهب لا يؤثر على أى شخص من أشخاص الرعوية المصرية فى المسائل الخاصة بالتمتع بالحقوق المدنية والسياسية، بل ووضعت فى مشروعاتها مادة تقول «أنه ليس لمصرى أن يحتج بأحكام دينية للتخلص من أداء أى من الواجبات المفروضة عليه كمواطن».
وكانت الفترة بين عامى 1919 و1952 من أغنى فترات الوحدة الوطنية إذ تواجد الأقباط بقوة على الساحة السياسية والاجتماعية، ولم يكن مستغربًا أن يشارك الأقباط فى كافة فعاليات الحياة السياسية والعامة بنشاط وكثافة واضحين.
<< أحداث فترة السبعينيات
كانت المواجهات والأحداث التى تصب فى خانة الصدام بين المسلمين والأقباط، بغض النظر عن نوع ومستوى العنف المستخدم، كانت محدودة، كما نلاحظ أن السواد الأعظم من الأحداث مرتبط بالخلاف حول بناء كنيسة أو إقامة صلوات فى مكان ليس مرخصاً ككنيسة، وذلك باستثناء ما نجم عن اعتناق شابين مسلمين للمسيحية، عام ١٩٧٠ ثم مسألة قانون الردة وتطبيق حدود الشريعة الإسلامية على المرتد، أى أن موضوعات الخلاف انحصرت إجمالاً فى حرية العقيدة وحرية ممارسة طقوس العبادة لدى الأقباط.
فبالرغم مما شهدته فترة حكم السادات من فتن طائفية، إلا أن أبرز الحوادث فى هذا العهد لم تكن ضد أى من الأقباط أو الرموز المسيحية، ومن هذه الحوادث حادث الفنية العسكرية 1974، وحادثة اختطاف وقتل الدكتور الذهبى 1976، وتنظيم الجهاد الأول 1977، وتنظيم الجهاد الثانى 1979، أى أن أبرز الحوادث التى قامت بها الجماعات الدينية لم تكن ضد الأقباط.
حادث الزاوية الحمراء: بدأت تلك الحادثة بنزاع بين بعض المسلمين والأقباط حول قطعة أرض فضاء، وتطور النزاع إلى معركة استخدمت فيها الأسلحة النارية؛ مما أدى إلى مقتل العشرات من الطرفين، فاشتعلت الأحداث على نحو خطير، أى أن حادث الزاوية الحمراء يمثل أهم حدث وقع خلال مرحلة الثمانينيات، إذ شهد بمفرده نحو 68% من عدد المتوفين فى الأحداث الطائفية التى شهدتها هذه المرحلة، لكن ما يهمنا هنا أن نشير كون هذا الحادث لم يكن طائفيا رغم تصنيفه طائفيا، فسبب الخلاف كان يمكن أن يكون طرفاه مسيحيين أو مسلمين.
الفيوم 2015
فى ديسمبر 2015 أيضًا، قررت نيابة بندر الفيوم حبس طالب ثانوى 4 أيام على ذمة التحقيق، لاتهامه بمحاولة اغتصاب طفلة داخل دورة مياه مسجد بمدينة الفيوم، حيث حاول طالب الثانوى اغتصاب طفلة فى الثامنة من عمرها بعدما استدرجها إلى دورة مياه مسجد دار الرماد الشرقى، إلا أن الطفلة صرخت بقوة واستغاثت بالأهالى الذين أمسكوا بالطالب.
دمنهور وتحول مصلى لوكر 2015
وفى ديسمبر 2015، اكتشف أهالى شارع الجيش فى مدينة دمنهور بالبحيرة، تحول مصلى السيدات إلى وكر لممارسة الدعارة، بعد أن تحول عامل المسجد إلى «قواد»، يسهل للراغبين فى المتعة ممارسة أفعالهم داخل بيت الله مقابل حصوله على 50 جنيهًا.
مسجد سفاجا 2015
تم حبس موظف بالمعاش، 4 أيام، على ذمة التحقيقات، بتهمة اغتصاب طفل مصاب بمرض التوحد، داخل دورة مياه أحد مساجد مدينة سفاجا. تبين من تحقيقات النيابة العامة، أن المتهم، 68 عاما، استدرج الطفل، 10 سنوات، لإحدى دورات المياه وجرده من ملابسه، واغتصبه.
استورجى حلوان 2017
تم اكتشاف جرائم كان يقوم بها «ستورجى» فى حلوان، إذ اعترف المتهم، خلال التحقيقات، بأنه كان يستدرج الأطفال من الشوارع بدعوى شراء حلوى لهم ويدخل بهم دورات المياه الخاصة بالمسجد لممارسة الرذيلة معهم فى الفترة ما بين صلاتى العصر والمغرب.
وكشفت التحقيقات أن إمام المسجد شك فى المتهم بسبب تردده كثيرًا على دورات المياه دون أن يشارك فى الصلاة، فراقبه ذات يوم، وتبين أنه يستدرج بعض أطفال المنطقة إلى دورة المياه، فألقى القبض عليه، وأبلغ ضباط المباحث الذين حضروا واقتادوه إلى القسم، وحرروا له المحضر اللازم وأحالوه للنيابة للتحقيق.
<< اغتصاب طفل بمسجد ٢٠١٨
وبدأت القضية بتلقى قسم شرطة المقطم بلاغا من عامل بتعرض ابنه «م.ع» 16 سنة من ذوى الاحتياجات الخاصة، للاعتداء الجنسى على يد خادم المسجد، مشيرًا إلى أن نجله اعتاد صلاة العشاء داخل المسجد، وعقب عودته وجد السائل المنوى على بنطاله، وباستيضاح الأمر كشف الطفل أن عامل المسجد اعتدى عليه جنسيا.
وأفاد المجنى عليه، أن المتهم «عبدالعاطى» طلب منه دخول حمام المسجد، وهناك طلب منه خلع بنطاله واعتدى عليه جنسيا.
تبين من التحريات والتحقيقات صحة الواقعة، وأن المتهم استغل خروج المصلين من المسجد واستدرج المجنى عليه، واعتدى عليه جنسيا داخل الحمام، وبعرض الطفل على الطب الشرعى ثبت تعرضه للاعتداء الجنسى فأمرت النيابة بإحالة المتهم لمحكمة الجنايات.
ذبح طفلة كانت تحفظ القرآن 2018
قتلَ شاب طفلة، عُمرها 4 سنوات، أثناء ذهابها للمسجد لحفظ القرآن الكريم، خوفًا من فضحها لهُ، عقب فشله فى الاعتداء عليها. بدأت الواقعة عندما عثر أحد عمال مسجد بقرية «برطس» فى الجيزة، على جثة طفلة صغيرة مذبوحة وملقاه داخل حمام المسجد، إذ قالت أسرتها، إنها ذهبت لحفظ القرآن الكريم، ولم تعُد.
<< اعتداء إمام مسجد على طفلة ٢٠٢٠
اتهمت عائلة طفل بالمرحلة الإعدادية، إمام مسجد فى مدينة الغردقة فى مصر باغتصاب ابنها داخل غرفة إقامته فى المسجد، بعد جلسة تحفيظ القرآن.
وكان إمام المسجد قد طلب من الطفل اصطحابه إلى استراحته بعد انتهاء درس تحفيظ القرآن، حيث أغلق الباب وقام باغتصابه تحت تهديد السلاح الأبيض، وفق رواية الطفل لأهله وأصدقائه.
إذن وما يمكننا أن نخلص إليه مما سبق أن المصرى كان ولايزال واعيا وقادرا على التفريق بين الفتن الطائفية التى تحدث بين طرفين مختلفى الديانة وتنطلق وتنوع من هذا الاختلاف، وبين حادث أساسه ظلم اجتماعى لا يمكن ربطه بديانة مرتكبه أو ديانة المجنى عليه بقدر ربطه بظلم قد يتعرض غيره له، والأديان السماوية كافة لا يجوز ربط التعاليم التى جاءت بها بتصرفات أتباعها، فالمسيحية مثل الإسلام فى تعاليمها، وهناك يهود يرفضون ما تقوم به إسرائيل فى غزة وفى فلسطين، ويدعون إلى إعادة حقوق الفلسطينيين المسلوبة، بل والوقوف فى وجه اللوبى الصهيونى فى الغرب، مثل حركة «ناطورى كارتا»، وهى حركة دينية يهودية مناهضة للصهيونية، ولا تعترف بدولة إسرائيل على الأراضى الفلسطينية المحتلة، وهناك حركة «يهود من أجل فلسطين»، والتى يؤكد القائمون عليها أن معاداة السامية بدأت من الغرب، مشددين على أن اللوبى الإسرائيلى فى بريطانيا يسحق كل من يعارضه، فضلا عن رفضهم القاطع أن تكون إسرائيل هى المتحدث الحصرى باسم اليهود فى العالم.
