نور
ذكرى الزعماء الثلاثة «سعد زغلول ومصطفى النحاس وسراج فؤاد الدين» هى رسالة وطنية لكل الوفديين والمصريين، الرسالة مفادها ومعناها أن هذا الحزب الكبير له زعماء كان لهم دور فى استقلال البلاد وحماية الوطن من المخاطر وترسيخ الحرية والمواطنة.
يوم 23 أغسطس والذى صادف رحيل الزعيم سعد زغلول ورحيل سعد زغلول ومصطفى النحاس ويوم 9 أغسطس الذى رحل خلاله فؤاد سراج الدين وما بينهما، هما أيام للتذكير بمبادئ الزعماء ومواقفهم الوطنية الخالصة من أجل هذا الوطن، فالمبادئ لا تموت، فهى حياة الحزب ومصدر تنفسه أما هويته فهى قلبه النابض، وبغياب هذه الهوية سنصبح أمام جسد بلاروح.
ويجب أن يفهم الجميع رسالة مهمة..إحياء ذكرى زعماء الوفد الثلاثة سعد زغلول ومصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين منذ عشرات السنين تعنى أن الذين يخلصون لهذا الوطن تبقى ذكراهم لمئات الأعوام.
يوم السبت القادم 23 أغسطس ذكرى زعماء الوفد سعد والنحاس وسراج الدين هو يوم الدليل على الوفاء لمبادئهم وتراثهم ومواقفهم التى لم تتبدل أو تتغير. فقد تركوا مؤسسة سياسية تجاوزت المائة عام من العمر، أعمدتها المبادئ وسقفها التراث الذى يُظل اسم الوفد الكبير.
الوفديون.. دائمًا يقولون إنهم أصحاب فكرة وليسوا أعضاء حزب! كلام قد يبدو غريبًا من أبناء التنظيم السياسى الأعرق فى الشرق الأوسط، ولكنه كلام واقعى، يعبر عن انتماء لفكر وعقيدة سياسية وليس ارتباطًا عضويًا بتنظيم حزبى.
هذه المقدمة الضرورية هى محاولة لفهم سبب تركيز صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية منذ سنوات قريبة على مصطلح «الوفديين» باعتباره مصطلحًا مهمًا ومعبرًا، فهو يدل على وجود صفة وموصوف وبينهما تفاصيل، فالعقيدة لا تولد فى ليلة، ولكنها تنشأ بعد سنوات من المواقف، والصعاب، وحب الوفد، والدفاع عنه، وحمايته من تغيير هويته وأهدافه، وحفظ مبادئه، وجعلها تضىء طريق الصعاب.
فالوفدى يبقى وفديًا حتى الممات، ولا يتنازل عن انتمائه مهما طال الزمن؛ ولذلك سيبقى الوفد حيًا ما بقى الوفديون، وطالما ظلوا أصحاب عقيدة، يتواصلون ويتناقشون ويتفاهمون، ولا تنقطع هذه الصلة بينهم على مر السنين. وهذا التواصل هو الذى حمى الوفد من الانقراض، وجعله يعود إلى الساحة بعد غياب 25 عامًا من الإلغاء الرسمى، وعقب سنوات أخرى من البطش والتنكيل.. وهنا لا بد أن نحكى كيف أعاد فؤاد سراج الدين الوفد للحياة السياسية بعد رُبع قرن من الغياب.. تعالوا نحكى الحكاية!
ربما لا يكون لفؤاد سراج الدين زعيم الوفد الثالث، علاقة مباشرة بثورة 1919، فقد كان عمره وقتها تسع سنوات، وفى أقوال أخرى خمس سنوات فقط، ولكن المؤكد أن فؤاد سراج الدين، هو صاحب الفضل الأول فى إعادة «الوفد» الحزب المُعبر عن ثورة 19 ونضالها، إلى الحياة السياسية، بعد غياب أكثر من 25 عامًا، رغم ما لاقاه قيادات الوفد، من اضطهاد، وتنكيل عقب يوليو 1952.
ما كان يواجهه فؤاد سراج الدين مع الوفد قبل 1952 لا يمثل شيئًا فيما واجهه الرجل بعد ذلك.. لقد قاوم التشريد والمحاكمة والاعتقال لسنوات طويلة كانت كفيلة بالقضاء عليه وعلى الوفد، ولكنه وقف صامدًا مناضلًا ليس له سوى هدف واحد هو العودة بالوفد إلى الحياة.
كانت بداية متاعب الرجل هى محكمة الثورة التى استهدفت سمعته وتاريخه، لكنها فشلت فى إدانته، ليخرج منها كما دخلها، السياسى النزيه، الذى تولى المناصب الكبرى فى حزب الأغلبية وفى الحكومة، السياسى الذى لم يتربح من العمل العام، فخرج من جلسات المحاكمة أقوى مما كان عليه، واقفًا، شامخًا، رافعًا رأسه وسط الناس، لكن تمت مصادرة أمواله وأراضيه وأرصدته، حتى ينشغل بلقمة العيش ولا يفكر فى غيرها، ويترك السياسة. وبالفعل انشغل بالبحث عن مصدر رزق بعد مصادرة أمواله، لكن كل هذا لم يمنعه من التفكير فى مصر والوفد!
صحيح اضطر سراج الدين للعمل فى أعمال مختلفة وإضافية كى يكسب رزقه.. وكان هذا العمل يأخذ منه وقتًا طويلًا، لكنه لم يتوقف عن الاتصال بالوفديين الذين يعرفهم شخصيًا من الإسكندرية إلى أسوان. وحتى أعلن عودة الوفد للحياة السياسية فى 23 أغسطس عام 1977.
لقد فعلها الرجل وأعاد الوفد بمعجزة، وحافظ على ثورة 1919 من الاندثار، والتحول إلى مجرد ذكرى مثل غيرها، فحافظ على حزبها التاريخى، عبر الاتصال بكل الوفديين الذين كان على تواصل معهم كل هذه المدة، وقال لهم: «حى على الجهاد» فقالوا له: «يحيا الوفد».
الوفديون تعلموا الدرس من الزعيم الثالث لـ«الوفد»، وصاحب الفضل الأول فى عودته للحياة السياسية، وأهم هذه الدروس هو أن الوفد ليس مجرد حزب، هو تراث وطنى يستحق الحفاظ عليه، ويستحق أن يدفع أبناؤه كل الأثمان حتى يظل واحة واسعة لـ«الليبرالية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية والتحرر الوطنى».
سنحافظ على التراث.. سنبقى وفديين.. لا نتغير، ولا نتبدل.. والله أعلم بما فى القلوب قبل العقول!