لازمُ أتكلمُ
كشفتُ فى حلقتينِ سابقتينِ جانبًا من المخططِ الاستعماريِّ (الحديثِ)، الذى بدأتْ ملامحُهُ تتضحُ بمجردِ انهيارِ الدولةِ العثمانيةِ وانتهاءِ عصرِ الخلافةِ الإسلاميةِ، ويسعى لتنفيذِ صفحاتِهِ وبنودِهِ الرئيسُ الأمريكيُّ ترامبُ بالتعاونِ المسبقِ معَ الحلفاءِ والحركةِ الصهيونيةِ العالميةِ والكيانِ الإسرائيليِّ.
عرضتُ تحليلًا لما يدورُ فى عقلِ ترامبَ منذُ ولايتِهِ الأولى، وأسلوبَهُ الجديدَ فى ولايتِهِ الثانيةِ وإدارةِ العالمِ بالبلطجةِ العسكريةِ والاقتصاديةِ، بفرضِ الإتاواتِ على الأصدقاءِ والحلفاءِ قبلَ الأعداءِ، وابتزازِ دولِ الخليجِ وتحويلِ نفطِهم إلى ملياراتٍ تصبُّ فى الخزانةِ الأمريكيةِ؛ بحجةِ حمايةِ ملوكِ وأمراءِ هذهِ الدولِ من إيرانَ، ومن شعوبِهم الجاهزةِ للثورةِ دائمًا ضدَّ فسادِهم وضعفِهم.
واليومَ أواصلُ القراءةَ فى عقلِ أغربِ رئيسٍ شهدَهُ العالمُ بعدَ «هتلرَ» النازيَّ، يرتدى بدلةَ الديمقراطيةِ، ويريدُ قيادةَ العالمِ بقفازِ الديكتاتوريةِ. فبعدَ أنْ أعلنَ انحيازَهُ التامَّ للكيانِ الإسرائيليِّ، غيرَ مكترثٍ بالمذابحِ التى تشهدُها الأراضى الفلسطينيةُ يوميًا، فرضَ نظامًا عالميًا جديدًا للضرائبِ أثارَ موجةً من الركودِ والتضخمِ والارتباكِ فى الأسواقِ والبورصاتِ العالميةِ، وقوبلَ بانتقادٍ شديدٍ من كلِّ رؤساءِ العالمِ.
ولإيقافِ الخطرِ الإيرانيِّ، حرَّكَ البوارجَ وحاملاتِ الطائراتِ والصواريخَ فى البحرينِ المتوسطِ والأحمرِ والمحيطِ الهنديِّ والخليجِ العربيِّ، للضغطِ على نظامِ الملالى، وجعلَهُ يفقدُ حلمَهُ فى امتلاكِ قنبلةٍ نوويةٍ.
قالَها ترامبُ بكلِّ وقاحةٍ قبلَ أنْ يجلسَ على مائدةِ المفاوضاتِ: «وضعنا إيرانَ أمامَ خيارينِ.. إما الحربُ أو الاستسلامُ، وفرضنا أقصى العقوباتِ، وعندَ إعلانِ الحربِ لن يربحَ أحدٌ بالمنطقةِ وستفوزُ أمريكا وحلفاؤها، ولكى تبقى الأقوى فى العالمِ، عليكَ أنْ تضعفَ الجميعَ، سندمرُ إيرانَ ونقلبُ نظامَها، كما فعلنا مع الكثيرِ من الدولِ والأنظمةِ الدينيةِ والمدنيةِ الأخرى».
يقولُها دونَ خجلٍ: «ما صرفته السعوديةُ فى حربِها على اليمنِ يعادلُ ما صرفته أمريكا بحربِ عاصفةِ الصحراءِ (الكويتِ)، تدفعُ مليونَ دولارٍ ثمنًا لصاروخٍ تدمرُ بهِ موقعًا بسيطًا أو سيارةً لا يتجاوزُ ثمنُها بضعةَ آلافِ الدولاراتِ، وفى النهايةِ لم تحققْ شيئًا، فلجأتْ لنا؛ لأنها بحاجةٍ لحمايتِنا... يهمنى أنْ تعملَ مصانعُ السلاحِ دونَ توقفٍ، لحمايةِ مشروعِنا الكبيرِ وهو السيطرةُ على النفطِ العربيِّ فى طريقِنا الكبيرِ للسيطرةِ على أوروبا والصينِ واليابانِ».
وتنفيذًا للمخططِ الكبيرِ، لا شيءٌ يشغلُ سمسارَ العالمِ، سوى قلبُ الأنظمةِ وقتلُ الشعوبِ، خلفَ شعارِ الديمقراطيةِ: «لن نسمحَ بالاختباءِ خلفَ إصبعِنا، لقد تحولتْ أمريكا من شرطةِ العالمِ إلى شركةٍ كبيرةٍ حانَ الوقتُ لكى تربحَ، تبيعُ وتشترى ما تريدُ وكيفما تريدُ، حكامًا وشعوبًا، وتقفُ دائمًا خلفَ من يدفعُ أكثرَ، وإنِ اضطرتْ لهدمِ المدنِ والدولِ ستفعلُ، ولا يوجدُ مكانٌ جاهزٌ للهدمِ أكثرَ من الوطنِ العربيِّ».
هكذا يبقى الشرقُ الأوسطُ فى عينِ ترامبَ، أفضلَ بيئةٍ من السهلِ هدمِها وإعادةِ بنائِها بخدعةِ تعزيزِ المجدِ الشخصيِّ للزعماءِ وتخويفِهم بأنَّ البديلَ جاهزٌ دائمًا، وأنَّ حبلَ المشنقةِ فى استقبالِهم، إذا ما توقفوا عن دفعِ إتاوةِ الحمايةِ ولم يشتروا أسلحةَ أمريكا وتوجهوا لغيرِها.
ووفقًا للمخططِ، يجبُ أنْ تبقى شعوبُ المنطقةِ أسيرةً للديكتاتوريةِ الناعمةِ منزوعةِ الأنيابِ، تتطلعُ للحريةِ ولا تعيشُها وتحياها، والهدفُ تدميرُ أيَّةِ دولةٍ تقفُ فى وجهِ الماردِ الأمريكيِّ، ومنعُ إقامةِ أيَّةِ دولةٍ دينيةٍ قويةٍ فى الشرقِ الأوسطِ، سنيةً كانتْ أو شيعيةً.
هنا لا صوتَ يعلو فوقَ صوتِ البلطجةِ داخلَ أوطانٍ غنيةٍ بمواردِها، فقيرةٍ بقادتِها المتشبثينَ بالكرسيِّ، حتى ولو دفعتْ شعوبُهم الثمنَ، العيشُ بكرامةٍ ولا حريةٍ ولا حتى أملٍ فى مستقبلٍ أفضلَ.
وللحديثِ بقيةٌ إنْ شاءَ اللهُ..