رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

المراوحة بين الحياة والفناء في "الشجرة الأخيرة" لمحمد ربيع حماد

بوابة الوفد الإلكترونية


في إحدى وعشرين قصة قصيرة، تدور المجموعة القصصية التي اختار لها محمد ربيع حماد عنوان أبرز قصصها "الشجرة الأخيرة"، والتي صدرت حديثا عن دائرة الثقافة بالشارقة، ضمن سلسلة إبداعات عربية..

تنقسم أفكار تلك المجموعة إلى فئتين مختلفتين، إحداهما تدور في فلك الواقعية وتميل للاجتماعي منها، فيما ترتبط الفئة الأخرى بالميل للتطهر النفسي، وتيار الوعي، في استدعاء لمبدأ المناجاة على السطور.
فما بين الآخر والذات، يتردد اهتمام محمد ربيع حماد، لينجو بقلمه من تهم الانتماء إلى التمحور حول الذات، والكتابة المغرقة في الذاتية والدوران حول الأنا، لتبرز نصف قصص تلك المجموعة-تقريبا- وقد انحازت بشكل واضح وجلي للآخر، وخاصة أولئك المهمشون، القابعون في الظل، الذين ينبشون عن الحب والحياة.

يميل حماد للمزج بين أسلوبي المباشرة والرمزية، فبينما تبدو الفكرة اجتماعية جلية، يفاجئنا تطور الحدث بزاوية حادة من الرمزية، فنجد أنفسنا وقد وقعنا في فخ الفكرة العميقة ذات البعد الفلسفي، تؤكدها النهاية التي تأتي دوما على غير توقعنا.

*عنوان المجموعة:


ثمة فكرة خفية تجمع تلك الأفكار التي قد توحي بالتبعثر، إلا أن اختيار الكاتب لعنوان قصة "الشجرة الأخيرة" ليكون العنوان "الماستر"، الذي يحمله غلاف المجموعة القصصية، قد يوحي بتلك الفكرة الرئيسة، ذلك الأمل الأخير الذي يتحلق حوله التائهون والمحرومون والمعذبون في دنيا الظلم والإبادة والعدوان، الحلم بالخلاص والعودة إلى اعتياد الحياة اليومية بمللها وبساطتها، مصارعة الفناء، والخروج من ربقة العدوان اليومي على الروح إلى براح الحرية وتلقفها، حتى لو بالقنوع بالعادي، الشجرة الأخيرة التي تمثل طوق النجاة الوحيد الذي يباركه الخالق ويبقيه ليظل رمزا لاستمرار الحياة حتى إشعار آخر.

*تقسيم القصص

في فعل أراه تعمديا، يقسم الكاتب مجموعته لفصول، كل فصل يضم قصتين أو أكثر، يحملها عنوان رئيس واحد، يتفرع عنه عنوان آخر خاص بكل قصة.
ومن أمثلة العناوين الرئيسة الجامعة: "قصص مصابة بالقلق، قصتان ترقصان على حدود الذاكرة، قصتان أبعد من كفوف الأيدي، قصص تراود الشيطان عن ملكه"، فيما يضم فصل آخر قصصا قصيرة جدا، تميل للذاتية، تتبدى خلالها ذات الكاتب ومناجاته لها بشكل أو بآخر، عنونه ب "قصص ثلاثية الأبعاد".
ويبدو هذا التقسيم الذي يبدأ من القصة الأولى، وكأنه يلفت نظر القارئ إلى ثمة رابط يربط قصص كل فصل، وكأنه يطلب منه إيجاد هذا الرابط الذي يبدو غير خفي إلى درجة كبيرة، يكشفه العنوان الجامع لكل قصتين بشكل جلي ومسبق. 
 

*السرد:


يستخدم الكاتب في قصصه الواقعية الراوي العليم، ليكون كاميرا كاشفة لكافة تفاصيل الحدث، بينما يتردد بين الراوي المباشر أو ضمير المتكلم والراوي العليم في القصص التي تحمل مناجاة ذاتية، وربما كان الراوي المباشر هو الأسلوب الأكثر  مناسبة لمثل هكذا أفكار، فهو الأقرب للذات ولوصف ما يعتمل بها.   
 

اللغة:


يستخدم حماد، على طول قصص المجموعة لغة جزلة، تنأى عن الأخطاء، يعتمد على المفردات الفصيحة، التي تتضافر لترسم صورا ومجازات عدة.
كما تتميز عباراته بالجرس الموسيقي، واعتماده على اللغة الشاعرة في معظم الفقرات.
 

نهايات القصص:

تتسم قصص المجموعة بالنهايات التي تحمل مفاجأة ما، حيث يثير في نفس القارئ الشعور بالصدمة في غالبيتها، كما يميل لأن تحمل تلك النهاية وقعا موسيقيا، وكأنها سطر شعري، خرج لتوه من إحدى القصائد.
يبرز ذلك في مثل قصص "الشجرة الأخيرة، مناوشة، برمجة، وراء الشمس، عجز، رحم".
 

ختاما.. فنحن أمام مجموعة من القصص التي تحمل آمالًا وإحباطات وتطلعات مخفية، تؤكدها آلام ومعاناة أصحابها، وقد يثير اختيار الكاتب لوضع مقدمة للمجموعة بعض اعتراض، لكن ربما قصد من خلالها توطئة وتهيأة لجو المجموعة، وقد يغفر لها كونها كتبت بأسلوب قصصي، وليست مقدمة عادية، مما يجعلها جزءا من قصص المجموعة.
كما يبدو انتقاؤه لبعض كلمات لأدباء عالميين مثل إدواردو غاليانو، وألبير كامو، ونجيب محفوظ، كتهيئة في بدء المجموعة، باعثا للتفكر في الفكرة الرئيسة للمجموعة، وإشارة خفية من الكاتب لما سيقدم عليه القارئ بين وفوق سطور القصص.