علي جمعة: النموذج المصري تجربة فريدة تحتاج إلى دراسة وإعادة تقييم

دعا الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إلى ضرورة دراسة النموذج المصري دراسة عميقة تتجاوز الأحكام السطحية والانطباعات المتعجلة، مؤكدًا أن هذا النموذج يستحق الوقوف أمامه مليًّا، لما له من فرادة وريادة في محيطه الإقليمي والدولي.
وأوضح جمعة أن النموذج المصري — والذي يقصد به تجربة الدولة الحديثة منذ عهد محمد علي وحتى يومنا هذا — ليس مجرد ظاهرة عابرة في التاريخ، بل هو مسار مركب يشتمل على جوانب سياسية، وثقافية، ودينية، وقانونية، واجتماعية، وعلمية، وهو ما يجعله مادة دسمة للتحليل والفهم، ليس فقط في الماضي والحاضر، بل فيما يتعلق بصناعة مستقبل مصر والمنطقة العربية.
أسئلة تحتاج إلى إجابات
سرد جمعة مجموعة من الأسئلة الجوهرية التي رأى أنها تمثل مفاتيح لفهم النموذج المصري وتقييمه بشكل موضوعي، من أبرزها:
- ما موقف التجربة المصرية من الليبرالية والديمقراطية؟
- هل تستند مصر إلى سلطة دينية؟ وهل يمكن اعتبارها دولة دينية أم علمانية أم أنها تمثل صيغة فريدة لا تنتمي للتصنيفين؟
- ما حدود نجاح المشروع العلماني في مصر، ومدى قبوله شعبيًا؟
- ما الفرق بين الدعوة للحرية والتغريب؟
- ما مفهوم الهوية الوطنية، وهل نحتاج إلى تأكيد خصوصيتنا الثقافية في ظل عولمة متسارعة؟
- كيف يمكن معالجة الأزمات التي تمر بها الثقافة المصرية؟ وهل هذه الأزمات مرتبطة بالشعب، أم بالنظام، أم بروح العصر؟
- كيف يمكن القضاء على الأمية بشتى أشكالها — الهجائية، والثقافية، والمهنية، والتكنولوجية؟
- هل نحن أمة في خطر كما يشير الواقع، وما الخطط اللازمة للإصلاح وإعادة البناء؟
إصلاح جذري يبدأ بالفهم
وأكد الدكتور جمعة أن الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب تحريرًا دقيقًا للمفاهيم والمصطلحات التي باتت مشوشة في الخطاب العام، وأدى غياب الوعي الحقيقي بها إلى خلط في التحليل وفوضى في الحكم على الأمور.
وأشار إلى أن مصر، برغم التحديات، لا تزال تملك مقومات الريادة الثقافية والحضارية، وينبغي استثمار هذا الرصيد التاريخي لبناء مشروع معرفي وعلمي وثقافي متكامل، قادر على التفاعل مع معطيات العصر، دون التفريط في الهوية أو الانغلاق على الذات.
دعوة إلى الحوار الوطني
في الختام شدد جمعة على أن ما طرحه ليس سوى بداية لحوار فكري طويل الأمد، يستدعي مشاركة علماء الاجتماع، والسياسة، والدين، والاقتصاد، والتربية، والعلوم، للبحث في إجابات دقيقة وواقعية، بعيدًا عن الشعارات والانطباعات.
كما لفت إلى أهمية استلهام التجارب الناجحة في العالم، مثل نماذج اليابان، وكوريا، وماليزيا، وغيرها، التي استطاعت أن تحافظ على خصوصيتها الثقافية، وفي الوقت نفسه أن تنهض علميًا وتكنولوجيًا، في توازن دقيق بين الأصالة والمعاصرة.
ويُنتظر أن يكون لهذا الطرح صدًى واسعًا في الأوساط الأكاديمية والثقافية، لما يحمله من عمق وتحديات تستوجب النقاش الوطني البنّاء.