أسرار الصيام ومعانيه الروحية.. لماذا اختصه الله بنفسه؟
الصيام عبادة مميزة اختصها الله سبحانه وتعالى بنسبة خاصة إليه، فقال في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به"، مما يجعله عبادة ذات مكانة فريدة بين سائر العبادات، وقد أوضحت هيئة كبار العلماء، مستشهدةً بكلام الإمام نجم الدين بن قدامة في كتاب مختصر منهاج القاصدين، أن هذه الخصوصية تعود إلى معنيين أساسيين، يجعلان الصيام عبادة روحانية خالصة لله عز وجل.
الصيام.. عبادة خفية خالصة لله
على عكس العبادات الأخرى التي قد تكون ظاهرة للناس، فإن الصيام عمل باطن لا يراه أحد إلا الله، فلا يمكن لأحد أن يجزم بصيام شخص آخر إلا بإخباره، مما يجعله بعيدًا عن الرياء، فالصلاة، الزكاة، والحج كلها عبادات قد يراها الآخرون، أما الصيام، فهو سرّ بين العبد وربه، مما يجعله أكثر إخلاصًا وقربًا لله.
الصيام وسيلة لقهر الشهوات ومحاربة الشيطان
يشير العلماء إلى أن الصيام قهرٌ لعدو الله – الشيطان، وذلك لأنه يعتمد في إغوائه للإنسان على إثارة الشهوات، والتي تتغذى على الطعام والشراب. فكلما زادت الشهوات، كانت أرض القلب خصبة للمعاصي، أما عندما يصوم الإنسان، فإنه يُضعف هذه الشهوات، ويضيق المسالك على الشيطان، فيقل تأثيره على النفس، مما يساعد الإنسان على التوبة والرجوع إلى الله.
لماذا الصيام عبادة مميزة؟
١. الإضافة الخاصة لله عز وجل
الله سبحانه وتعالى أضاف الصيام إلى نفسه في قوله: "الصوم لي وأنا أجزي به"، وهذا تكريم عظيم لهذه العبادة. وكما شرف الله البيت الحرام بإضافته إليه في قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج: 26]، فإن الصيام نال هذا الشرف لأنه عبادة خالصة، لا يشوبها رياء، ولا تؤدى إلا لوجه الله وحده.
٢. الصيام مدرسة التهذيب الروحي
الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تدريب على التحكم في الشهوات، وتعويد للنفس على الصبر والانضباط. فالصائم لا يحرم نفسه من الطعام فقط، بل يتجنب الغضب، سوء الخلق، والجدال العقيم، ويحرص على تهذيب نفسه.
٣. باب الريان للصائمين
خصّ الله الصائمين بباب خاص في الجنة يُسمى "باب الريّان"، لا يدخله إلا من صاموا في الدنيا، وهذا دليل على مكانة الصيام العالية عند الله.
٤. سبب لمغفرة الذنوب
يقول النبي ﷺ: "مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه" [متفق عليه]. فالصيام فرصة عظيمة للتوبة والاستغفار، والتخلص من الذنوب التي تثقل القلب.
الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو سرّ من أسرار العبودية الخالصة، ووسيلة لقهر النفس وتهذيبها، ومحاربة الشيطان وشهواته. وهو بابٌ للتقرب من الله، ونيل رضوانه ومغفرته.
فلننظر إلى الصيام على أنه فرصة روحية عظيمة، لا مجرد تكليف، ولنحرص على اغتنام فوائده في تنقية أرواحنا وتقوية علاقتنا بالله، حتى نحظى ببركته في الدنيا والآخرة.
