هيئة كبار العلماء: آفات القلب مهما خُفيت ستظهر

يظنّ البعض أن ما يدور في القلوب يظل حبيس الصدور، لكن الحقيقة التي أكدتها تجارب البشر عبر العصور أن ما يُخفيه الإنسان، سواء كان خيرًا أو شرًا، لابد أن يظهر يومًا ما، ولو بعد حين.
ذا ما أشارت إليه هيئة كبار العلماء في سلسلتها الرمضانية "تراثيات"، مستشهدة بكلام الإمام ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر، حيث أكد أن الله سبحانه يُظهر خفايا النفوس، سواء كانت طاعات أو آثامًا، ليجازي العباد بعدله المطلق.
حقيقة لا تخطئها العيون
يقول ابن الجوزي: "إن الإنسان قد يُخفي ما لا يرضاه الله عز وجل، فيُظهره الله سبحانه عليه، ولو بعد حين، ويُنطق الألسنةَ به، وإن لم يشاهده الناس". فمهما حاول الإنسان التستر على أخطائه، فإنها تجد طريقها إلى العلن، إما من خلال المواقف التي تفضحه، أو من خلال أحاديث الناس عنه، فيكون ذلك تذكرة بأن هناك إلهًا عادلًا لا يضيع عملًا، ولا يغفل عن زلة.
الطاعة أيضًا لا تُخفى
وكما يظهر الله خفايا الذنوب، فإنه أيضًا يُظهر الطاعات المخفية، فيرفع ذكر صاحبها بين الناس، حتى إنهم لا يرون له إلا محاسن، ويتحدثون عنه بأكثر مما قدم. وقد قال أحد الصالحين: "إذا صلح السرّ، أظهره الله على العلن"، في إشارة إلى أن نقاء القلب وصفاء النية ينعكسان على حياة الإنسان، فيرزقه الله القبول بين الخلق.
القلوب مرايا خفية
من العجيب أن القلوب تملك قدرة فطرية على تمييز أحوال الأشخاص دون تصريح منهم، فهي تشعر بمن يحمل الخير، وتميل إليه، كما أنها ترفض أهل النفاق والخداع، حتى لو حاولوا الظهور بمظهر الصلاح. وهذا ما عبر عنه ابن الجوزي بقوله: "وإنّ قلوب الناس لَتعرفُ حالَ الشخص وتحبه أو تأباه، وتذمه أو تمدحه، وَفْقَ ما يتحقق بينه وبين الله تعالى".
الإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل
لا يمكن للإنسان أن يكسب ودّ الناس ويخدعهم طويلًا إذا كان يحمل في داخله قلبًا فاسدًا أو نية غير سليمة، فمهما تظاهر بالإحسان، فإن حقيقته ستنكشف عاجلًا أم آجلًا. وعلى العكس، فإن من يحرص على إصلاح سريرته، ويراقب الله في أعماله، يفيض الله عليه من النور، فيكفيه همّه، ويدفع عنه كل شرّ، كما قال ابن الجوزي: "وما أصلح عبدٌ ما بينه وبين الخلق، دون أن ينظر إلى الحق، إلا انعكس مقصودُه، وعاد حامدُه ذامًّا".
الرسالة الخالدة
إن رمضان فرصة عظيمة لمراجعة النفس وتنقيتها من آفات القلوب، فالإخلاص لله والصدق في التعامل مع الناس هما الطريق الحقيقي للفوز في الدنيا والآخرة. وكما أن الطاعة تنير وجه صاحبها، فإن الذنب يُظلم به القلب، وما بينهما خيط رفيع لا يراه إلا الله، لكنه يظهر على صاحبه بمرور الأيام.