د.وليد البلتاجي: الإسلام اهتم بالنظافة والطهارة لأثرهما في المجتمع
قال الدكتور وليد البلتاجي، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الإسلام اهتمَّ بالنظافة والطهارة أشدَّ اهتمام، فحثَّ على طهارة البدن باعتبارها تمثل المظهر الحضاري للإنسان، قال تعالى: "رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ " [التَّوْبَةِ: 108]، وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ-أي: الاستنجاء- " قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ".[صحيح مسلم(261)].
أضاف “البلتاجي”، في حديثه للوفد، أن من علامات اهتمام الإسلام بالنظافة أن أكَّد على استحباب نظافة الفم باستعمال السواك؛ لإزالة ما علقَ به من أطعمة، وطرد الروائح الكريهة به، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ - وفي حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَلَى أُمَّتِي - لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» [صحيح مسلم(1/252)].
وتابع: ومن باب عدم إيذاء الناس، كره النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ أكل الثُّوم أو البصل أن يذهب إلى المسجد، ومخالطة الناس وهو على هذا الحال؛ لعدم إلحاق الأذى بهم، فإذا علم مَنْ كان هذا حاله أنه مكروه له الذهاب إلى المسجد، أدَّاه ذلك إلى نظافة فمه من الأطعمة العالقة به، والروائح الكريهة المتصلة بالفم، فعن جابر بن عبد الله أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» [صحيح مسلم(564)].
وأكمل: ومن شدّة اهتمام الإسلام بالطهارة أن جعلها شرطًا لصحَّة بعض العبادات، كاشتراطها لصحَّة الصلاة والطواف، وكذلك حثّ على بعض الأغسال المسنونة، كغسل الجمعة والعيدين، وذكر الفقهاء ذلك في كتبهم، بل ودعا الإنسانَ إلى ظهوره بمظهرٍ جميل، يريح نَفْس ناظره، فقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
وذكر عضو الأزهر للفتوى، أن من باب حثِّ الناس وترغيبهم أن يكونوا في طهارةٍ مستمرَّةٍ، كان الوضوء فرضًا قبل كل صلاة، بل وأكَّد النبي-صلى الله عليه وسلم- أنَّ أعضاء الوضوء تجيء يوم القيامة ناصعةَ البياض من آثار غسلها، وأنَّ من استطاع إيصال الماء إلى أكثر من محلِّ الفريضة فليفعل، وما ذاك إلا من باب الاهتمام بنظافة البدن، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ».[صحيح البخاري(136)].
وذكر أنه لا يقتصر اهتمامُ الإسلام بالطهارة البدنيَّة فحسب، فكما اهتمَّ بظاهر الإنسان فقد اهتمَّ بباطنه أيضًا، فدعا إلى الطهارة القلبيَّة؛ لتطهير القلوب من الغلِّ والحقد والحسد، والسعي إلى بناء مجتمعٍ قائمٍ على المحبة والتآخي والتراحم فيما بينهم، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ».[صحيح مسلم(2558)].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ". قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ".[سنن ابن ماجه(4216)]. أي هو التقي قلبه بامتثال مأموراته، واجتناب منهيَّاته، و"النقي" أي: الصافي اللسان من الكذب والغِيبة والنميمة، "لا إثم فيه" أي: لا في قلبه ولا في لسانه، ولا في سائر جوارحه، "ولا بغي" أي: لا ظلم للناس عنده، ولا غلَّ ولا حسد لهم عنده.[مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه(26/24)].
وأردف: وبما أنَّ الإسلام قد اهتمَّ بالطهارتين معًا-الظاهرة والباطنة-، فقد أكَّد على ضرورة وجودهما، باعتبارهما عاملًا رئيسًا في تنقية الإنسان من الدنس الظاهر والباطن، فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ...".[صحيح مسلم(223)]، ولذلك تأويلات كثيرة، منها: أراد بالطهور: الطهارة من المستخبثات الظاهرة والباطنة". [ذخيرة العقبى(21/385)]، وعن سَعِيد بن المُسَيِّبِ، قالَ: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ".[سنن الترمذي(2799)]، والمقصود بالنظافة هنا أيضًا: النظافة الظاهرة والباطنة.
وضاف الدكتور وليد البلتاجي: ولم يقتصر اهتمامُ الإسلام بالبدن ظاهرًا وباطنًا فحسب، بل سعى أيضًا إلى نظافة أمكنة الناس وتطهيرها، كمظهر مكمّلٍ للمظهر الحضاري، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ».[صحيح مسلم(269)].
واختتم قائلًا: ممَّا سبق يتَّضح أن عناية الإسلام بالطهارة والنظافة جاءت عامَّةً، شاملةً بدنَ الإنسان في الظاهر والباطن، بل وتطرَّقت إلى البيئة المحيطة به، مما يدعونا إلى القول بأنَّ نظافة الإنسان وطهارته منهجُ حياة