ذكرى رحيل العلامة طه ريان.. رحلة عطاء لا تنسى

في مثل هذا اليوم، السابع عشر من فبراير عام 2021م، الموافق الخامس من رجب 1442هـ، رحل عن عالمنا العلامة الفقيه الأصولي شيخ السادة المالكية الأستاذ الدكتور أحمد علي طه ريان، الذي كان من أبرز العلماء في مجال الشريعة الإسلامية في العصر الحديث.
وُلد فضيلته في العشرين من ذي الحجة عام 1357هـ، الموافق العاشر من فبراير عام 1939م، في قرية الرياينة التابعة لمركز القرنة بمحافظة الأقصر في صعيد مصر. نشأ في بيئة علمية صالحة، حيث كان والده معروفًا بالورع والأمانة، وكان يتمنى أن يرى ابنه شيخًا في الأزهر الشريف.
بدأ فضيلته حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، حيث أتم حفظه في سن الحادية عشرة على يد الشيخ أحمد أبو الحاج يوسف، كما تأثر بالمعاني الصوفية والإيمانية في مجالس الشيخ أحمد الطيب، جد الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب.
التحق فضيلته بمعهد بلصفورة الديني في جرجا، وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية عام 1956م، ثم التحق بمعهد قنا الديني الثانوي ليحصل على الشهادة الثانوية عام 1961م. وفي عام 1961م، شدّ رحاله إلى القاهرة، حيث بدأ دراسته في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، ثم حصل على الليسانس، ثم درجة الماجستير في الفقه المقارن عام 1968م، ليواصل اجتهاده ويحقق درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى عام 1973م.
تدرج فضيلته في المناصب الأكاديمية، حيث أصبح معيدًا في قسم الفقه المقارن ثم مدرسًا، وفي عام 1976م، تم إعارته إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، حيث قضى خمس سنوات، ثم عاد إلى مصر ليواصل مسيرته العلمية ويحقق درجة الأستاذية في التفسير وعلوم القرآن عام 1985م. كما سافر إلى المملكة العربية السعودية حيث عمل في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى، ثم انتقل إلى جامعة الأحقاف بحضرموت في اليمن ليشغل منصب عميد كلية الشريعة والقانون هناك، بالإضافة إلى منصب نائب رئيس الجامعة.
فضيلة الدكتور أحمد طه ريان لم يقتصر عمله على التدريس فحسب، بل كانت له أيضًا جهود دعوية كبيرة، حيث قام بزيارات علمية ودعوية للعديد من الدول الإسلامية مثل تونس، والأردن، وبنجلاديش، وباكستان، وأوزبكستان، وبريطانيا. كما زار الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات لإقامة دورات شرعية في المراكز الإسلامية.
تقديرًا لمكانته العلمية، اختاره الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ليكون عضوًا مؤسسًا في هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف. وكان له دور كبير في إصدار بيانات الهيئة والمساهمة في العديد من الموضوعات الفقهية. بالإضافة إلى ذلك، أثرى فضيلته المكتبة الإسلامية بعدد من المؤلفات القيمة، مثل "المسكرات في الشريعة الإسلامية: آثارها وعلاجها"، و"المخدرات بين الطب والفقه"، و"تعدد الزوجات ومعيار العدل بينهن في الشريعة الإسلامية"، وغيرها من المؤلفات التي تغطي مجالات متعددة في الشريعة والفقة.
كما كان للدكتور أحمد طه ريان تراث فقهي صوتي ضخم من خلال برنامج "بريد الإسلام" الذي كان يُبث عبر إذاعة القرآن الكريم.
عرف فضيلته بأخلاقه الرفيعة، فقد كان معروفًا بالتقوى والورع، وبالهدوء والتواضع في تعامله مع الآخرين. وكان بيته في القاهرة وجهةً لأبناء قريته والقرى المجاورة، حيث خصص جزءًا من بيته للطعام والسكن دون مقابل لكل من يحتاج. كما أنشأ العديد من الجمعيات الخيرية التي تخدم أبناء قريته والقرى المجاورة.
رحل الدكتور أحمد طه ريان عن عالمنا بعد مسيرة حافلة بالعطاء في مجال العلم والدعوة، لكنه ترك خلفه إرثًا علميًا وفكريًا سيظل أثره باقيًا في أذهان أجيال قادمة.