رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

إطلالة

تلعب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل علي المجتمع الدولي والعالم بأكمله لعبة خداع واسعة تحت مسمي الهدنة وتبادل الرهائن التي طرحتها أمريكا 
خلال اتفاقيات الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وفلسطين. ولكن، كما هو الحال في العديد من الأحداث السياسية في المنطقة، هناك شكوك كبيرة بشأن نوايا الأطراف الرئيسية، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. يتساءل الكثيرون عن مدى جدية هذه الهدن، وكيف يمكن أن تكون مجرد لعبة سياسية تهدف إلى تأمين أهداف أخرى، مثل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين وتهدئة الرأي العام في إسرائيل، بينما يتم التمهيد لاستئناف الضربات العسكرية الأكثر دمارًا ضد الفلسطينيين. وأكبر دليل على ذلك ما أعلنه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي، السبت الماضى أن الجيش يعد "خططا للهجوم" في حين تستمر عملية إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة بموجب الهدنة . وهذا يعني أن مع إطلاق سراح آخر رهينة من الإسرائيليين ستتحول المنطقة بأكملها إلي كتلة نيران بكل قوة وعنف وكالعادة هم لا يلتفتون إلي القانون أو المجتمع الدولي وقواعده وأوصوله فهم إعتادوا ضرب قوانين المجتمع الدولي عرض الحائط.
تدعي الولايات المتحدة وإسرائيل أن هذه الهدنة مؤقتة تهدف إلى التخفيف من معاناة المدنيين ومنح فرصة لحل دبلوماسي للصراع. لكن العوامل السياسية الكامنة وراء هذه الهدن لا تبدو بريئة كما يتم تقديمها. إذ في اللحظة التي تُعلن فيها الهدنة، يكثر الحديث عن الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وهو ما يُعد أحد الأهداف الأساسية لهذه التهدئة. والدليل ما جاء في تصريح "ترامب" الذي  توعّد، حركة حماس بأنه "سيدع أبواب الجحيم تنفتح على مصراعيها" إذا لم تفرج عن "جميع الرهائن" الإسرائيليين.
الرأي العام الإسرائيلي كان تحت ضغط شديد نتيجة احتجاز العديد من الرهائن في غزة. فمشاعر القلق والخوف بين العائلات الإسرائيلية كانت في ذروتها، مما دفع الحكومة الإسرائيلية للبحث عن أي سبيل لإطلاق سراح هؤلاء الرهائن. لذلك رأت إسرائيل في هذه الهدنة المؤقتة وسيلة لتقديم بعض التنازلات التكتيكية التي تمكنها من استعادة الرهائن، بينما تحاول تجنب زيادة الاحتقان الشعبي.
إلا أن هذه الهدنة لا تُعطي أي ضمانات حقيقية بالسلام الدائم. فالعناصر السياسية الخفية تظهر في كل مرة تنتهي فيها فترة الهدنة، لتعود إسرائيل إلى تصعيد العمليات العسكرية ضد غزة، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول نوايا إسرائيل الحقيقية في هذه القضية.
من جهة أخرى، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا للحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط. فواشنطن تدعم إسرائيل بشكل مستمر، سواء في الأمم المتحدة أو في تقديم المساعدات العسكرية، وبالتالي فهي جزء أساسي من المشهد. وعليه ترى الولايات المتحدة أن استمرار الحروب والصراعات في المنطقة يُهدد مصالحها الإستراتيجية.
ولكن أمريكا، من خلال تبني هذه الهدن الظرفية، تحاول أيضًا تهدئة المجتمع الدولي وإظهار حرصها على حل النزاع. لكن في الواقع، تكمن المصلحة الأمريكية في تجنب التصعيد المباشر الذي قد يؤثر على استقرار حلفائها في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، وفي الوقت ذاته تأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
الهدنة الحالية مجرد تأمين العودة للهجوم بأقصى عنف ، فأصبح من الواضح أن الهدن المؤقتة ليست سوى وسيلة لتمرير الوقت وإعادة ترتيب الأوراق. فبعد كل فترة هدوء، يتم توجيه الضربات العسكرية العنيفة ضد غزة والفلسطينيين بشكل أوسع وأعنف، مما يشير إلى أن الهدنة كانت مجرد فترة راحة تكتيكية لإعادة تجميع القوات الإسرائيلية وتنظيم صفوفها لموجة جديدة من الهجوم.
تسعى إسرائيل، من خلال هذا التلاعب بالهدن، إلى تحقيق عدة أهداف. أولاً، إضعاف المقاومة الفلسطينية دون أن تتكبد خسائر فادحة في الأرواح والموارد، وثانيًا، إضعاف الدعم الدولي للشعب الفلسطيني. أما الهدف الأهم، فيتمثل في إنهاء أي قدرة على المقاومة في غزة، وهو ما يعني ضرب البنية التحتية الفلسطينية بشكل شامل.
من المؤكد أن الفلسطينيين يدركون تمامًا أن هذه الهدن لا تعني سوى فترة مؤقتة من الألم والتدمير، فلا يوجد في هذه التفاهمات ما يشير إلى حل عادل أو دائم. الفلسطينيون لم يروا أي تنازلات حقيقية من إسرائيل ولا من المجتمع الدولي الذي يبدو أنه يقف مكتوف الأيدي أمام معاناتهم المستمرة.
إسرائيل قد تستمر في استفزاز الفلسطينيين في غزة حتى بعد الاتفاق على الهدن، بينما تزداد معاناة المدنيين، الذين يعيشون تحت وطأة القصف المستمر والتدمير الواسع للمنازل والبنية التحتية. فبعد كل هدنة مؤقتة، يعود الوضع إلى ما كان عليه: حرب لا تنتهي، تهدئة ليست سوى بداية جولة جديدة من المعركة.
ولا نستطيع القول في النهاية إلا أن أمريكا وإسرائيل يلعبان لعبة سياسية معقدة من خلال التلاعب بالهدن والاتفاقيات المؤقتة، بهد تأمين الرهائن الإسرائيليين وتهدئة الرأي العام المحلي، بينما يواصلون مخططاتهم العسكرية للسيطرة على غزة ودحر المقاومة الفلسطينية. إن الهدنة ليست سوى أداة تكتيكية، والحل العادل لن يأتي من خلالها، بل من خلال الضغط المستمر على المجتمع الدولي لتحقيق السلام العادل للشعب الفلسطيني وحقوقه.